فلما لبى غشى عليه (١).
ولما حج جعفر الصادق ـ رضى الله عنه ـ فأراد أن يلبى تغير وجهه ، فقيل له : ما لك يا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : أريد أن ألبى وأخاف أن أسمع غير الجواب (٢).
هذه حال جعفر الصادق وزين العابدين فى خوفهما من سطوة جلال عظمة الله تعالى ، فكيف تكون حال الغافلين المدعين الكذابين؟ يا مسكين طهر قلبك وأخلص نيتك إذا قصدت إلى جناب حضرة عظمة عتبة بابه العظيم ؛ لأنه تعالى عالم ما فى سرك وخفايا سريرتك ، وارجع بالتوبة والاستغفار إلى جناب حضرة الكريم خاشعا متضرعا متذللا متأدبا ، ولا تيأس من رحمته ؛ لأن رحمته ومغفرته واسعة عامة على كل شىء ، وبابه مفتوح أبدا وما هو مغلق عليك ولا على من سواك.
قال ذو النون قدس الله سره : التوبة سبب الرضى ، والمراقبة سبب العصمة ، والخوف سبب الأمن ، والرجوع إليه سبب الصلح ، والاعتذار سبب العفو ، والندامة سبب القبول.
وقال أحمد بن أبى الحوارى : كنت مع سليمان الدارانى (٣) رحمه الله حين أراد أن يحرم فلم يلب حتى سرنا ميلا ، ثم غشى عليه ، ثم أفاق وقال : يا أحمد أوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام مر ظلمة بنى إسرائيل أن لا يذكرونى ؛ فإنى أذكر من ذكرنى منهم باللعنة ، ويحك يا أحمد بلغنى أن من حج من غير حلّه ثم لبى ، قال الله تعالى : لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما فى يديك ، فما أنا آمن أن يقال لى ذلك (٤).
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق (١٧ / ٢٣٦) ، والبداية والنهاية (٩ / ١١١) ، وتحرفت فى «القرى» إلى : يا ابن رسول الله : ١٧٨.
(٢) مثير الغرام (ص : ١٦٤).
(٣) هو : عبد الرحمن بن أحمد بن عطية ـ ويقال : عبد الرحمن بن عساكر ـ أبو سليمان العنسى الدارانى الزاهد ، من أهل داريّا ، من قرى دمشق. (انظر ترجمته فى : حلية الأولياء ٩ / ٢٥٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٥).
(٤) الخبر فى : مختصر تاريخ دمشق ١٤ / ١٩٣ ، حلية الأولياء ٩ / ٢٦٣ ، مثير الغرام (ص : ١٦٤).