يا هذا أما سمعت قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.)(١) وقيل : تعلق بأستار الكعبة شاب ، وقال : إلهى لا شريك لك فيؤتى ، ولا وزير فيرشى ، إن أطعتك فبفضلك ولك الحمد ، وإن عصيتك فبجهلى ولك الحجة علىّ ، فبإثبات حجتك علىّ وبانقطاع حجتى لديك إلا غفرت لى. فسمع هاتفا يقول : الفتى عتيق من النار (٢).
وقال بعض السلف : كنت بالمزدلفة وأنا أحيى الليل ، فإذا بامرأة تصلى حتى الصباح ومعها شيخ سمعته يقول : اللهم إنا قد جئنا من حيث تعلم ، وحججنا كما أمرتنا ، ووقفنا كما دللتنا ، وقد رأينا أهل الدنيا ؛ إذا شاب المملوك فى خدمتهم يذمّوا أن يبيعوه بل يعتقونه ، وقد شبنا فى ملكك فارحمنا وأعتقنا من النار (٣).
قال بعض الصالحين : كنت عاهدت الله أن لا أنظر إلى حسان الوجوه ، فبينا أنا فى الطواف وإذا أنا بامرأة حسناء ، فتأملت فيها تعجبا ؛ فإذا بسهم من الهوى قد وقع فى إحدى عينى ، وإذا عليه مكتوب : نظرت بعين العبرة فرميناك بسهم الأدب ، فلو نظرت بعين الشهوة رميناك بسهم القطيعة.
وروى أن إبراهيم بن أدهم (٤) ـ قدس الله سره ـ خرج ليلة من الليالى بمكة على أنه يطوف بالبيت خاليا ـ وكانت ليلة مظلمة ـ فقال فى نفسه : وجدت الفسحة ، الليلة أطوف أنا وحدى. فلما دخل الطواف إذا هو بسبعين ألف طائف ، فتحير وقال : ما رأيت خلقا فى سائر الليالى مثل ما أرى هذه الليلة. فتعلق به شيخ وقال : يا إبراهيم هؤلاء كلهم طلاب الخلوة طمعوا فيما طمعت فاجتمع الطماعون!
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٨٦.
(٢) انظر : صفة الصفوة ٤ / ٣٣٣ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٩٨).
(٣) هداية السالك ١ / ١٦٨. وزاد «القارى» فى «رسالته» «فارحمنا بلطفك ، وأعتقنا بجودك» ثم ختم رسالته بقوله : «فهذا طريق العلماء الأبرار والمشايخ الأخيار فى اجتنابهم الآثام والأوزار ؛ خوف المحاسبة فى دار القرار. والمعاقبة بالنار فى دار البوار».
(٤) هو : إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر ، أبو إسحاق التميمى ، ويقال : العجلى البلخى الزاهد ، ثقة مأمون. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٨٧).