وينبغى أن يطلب للطريق رفيقا صالحا عاقلا ورعا قد سافر قبل ذلك ؛ لقوله عليهالسلام : «الرفيق ثم الطريق» (١) ولأنه إذا كان له رفيق بهذه الصفة يكون أقرب إلى محافظة آداب السفر على وجه السنة ، ويكون معينا له على الطاعة والعبادة ، ورادعا له عن المنكر والمعصية ؛ فإنه إن نسى خيرا ذكّره ، وإذا ذكر أعانه ، وإذا ضاق صدره صبّره ، وإذا جبن شجّعه ؛ لقوله عليهالسلام : «إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له رفيقا صالحا ، إن نسى ذكّره وإذا ذكر أعانه ...» الحديث.
وأن يكون رفيقه حسن الخلق ، ومن حسن خلقه : كفّ الأذى عن الناس واحتماله وإهماله والتجاوز عنه.
ولا يمشى منفردا فى الطريق إلا مع الرفقة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٢).
وفى رواية أخرى : «الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٣).
فإذا وصل إلى ميقات طريقه وقت الإحرام ، أحرم وتفكر وتأمل أن الله سبحانه وتعالى لما جعل البيت الحرام قياما للناس ، وألبسه لباس إضافته إليه ، وخصه بوجوب حجه وتعظيم شعائره ؛ جعله على مثال حضرة الملك العظيم التى لا يدخلها قاصدها إلا متلبسا بالتواضع والخضوع ، والافتقار والخشوع ، والذلة ، والعادة فى حضرة الملك العظيم أن يكون لها أوقات معلومة ؛ لحضور أرباب المطالب وإفاضة النعم العامة ، فلا تقصد لذلك إلا فيها ، وأن يكون لها مواضع معروفة لا يتعدّاها قاصد الحضرة إلا على هيئة التواضع تعظيما لصاحب الحضرة ؛ فكذلك هذا البيت المكرم والحرم المعظم ؛ لما كان حجه مجمعا عاما جعل له ميقات زمانى لا يقصد إلا فيه ، وميقات مكانى لا يتعداه قاصده إلا على هيئة الخضوع على الوجه المشروع ؛ وهو الإحرام بواجباته ومحظوراته.
ولو أحرم قبل ميقاته المكانى لكان أفضل عندنا ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
__________________
(١) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٨ / ١٦٤ ، وعزاه للطبرانى. وفيه أبان بن المحبر وهو متروك.
(٢) أخرجه : أبو داود ٣ / ٣٦.
(٣) أخرجه : الترمذى ٤ / ١٩٣.