ولنا أحاديث كثيرة (١) منها : ما روت عائشة وأنس وغيرهما رضى الله عنهم : رأينا وميض الطيب فى مفارق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يلبى. والوميض : هو بريق الطيب.
وقال مالك : يكره أن يتطيب بطيب تبقى رائحته وإن تطيب به يجب غسله (٢) ؛ لما روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ خرج من المدينة محرما مع جماعة فوجد رائحة طيب ، فقال : ممن هذه؟ فقال معاوية : منى ، فقال له عمر : أنت لها ، أنت لها ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما طيبتنى أم حبيبة ، فقال : لترجعن ولتغسلن عنك ، ففعل ذلك. هذا فى البدن أما فى الثوب فيكره التطيب فيه على وجه يبقى أثره بعد الإحرام كما قال محمد لأنه لا يزول سريعا وهو المراد مما ذكر مالك ومحمد من الحديثين.
وعن الشافعى قولان آخران ، فى قول : مستحب أيضا كما فى البدن ، وفى قول : هو مباح غير مستحب (٣).
ثم يصلى ركعتين بعد اللبس وهاتان الركعتان سنتان غير واجبتين بمنزلة صلاة الاستخارة للأمور ، ولا يصليهما فى الأوقات المكروهة بالإجماع إلا قولا واحدا عن بعض أصحاب الشافعى ، والأصح عنده أن يحرم بغير الصلاة ؛ لأن ابتداء النافلة فى ذلك الوقت فى الحل عندهم أيضا لا يجوز فلا يصلى ؛ فإن صلى المكتوبة ولبى جاز لوجود التحية له.
ثم ينوى الإحرام بعد ذلك ، ثم يلبى ؛ لأن الإحرام عبادة والعبادة لا تصح ولا تنعقد بدون النية بالإجماع والحديث المعروف ، وتفسيره أن ينوى بقلبه إحرام الحج أو العمرة ، والذكر باللسان ليس بشرط لقوله عليهالسلام : «الأعمال بالنيات» (٤).
لكن الأحوط والأولى أن يذكره أيضا باللسان ليطابق لسانه قلبه فى العبادة
__________________
(١) من هذه الأحاديث ما روى فى : صحيح البخارى ٢ / ١٣٦ ، ١٧٩. مسلم ٤ / ١٠ ، ١٣ ، النسائى ٥ / ١٤٠.
(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١٥١).
(٣) هداية السالك ٢ / ٤٨٧ ، ٤٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ / ١٤٣ ، الأم ٢ / ١٤٨.
(٤) أخرجه : البخارى (١)