الموضعين تطلب مغيثا عند ذلك الجهد ، فلما سعت بين الصفا والمروة نزلت عليها الرحمة ، وفرّج الله عنها الكربة ، وفجّر لها وأنبع لها عينا معينا وهى زمزم شراب الأبرار ، وكذلك من اقتدى بفعلها وعمل مثل عملها ؛ يتوقع له الرحمة والمغفرة ، ويخرج من مضيق عالم الكربة إلى فضاء عالم المغفرة كما رحمها الله تعالى وفرّج عنها ، وذلك أعظم الفرج إذ هى أعظم الكربة ـ قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١). فعظمهما الله تعالى وأعلمهم أنها من شعائر حجهم ونسبهما إليه.
ثم يخرج من مكة فى اليوم الثامن من ذى الحجة من الباكر إلى منى ليوافى بها صلاة الظهر ، ويسمى هذا اليوم يوم التروية ؛ لأنهم كانوا يتروّون فيه من الماء ويحملون إلى منى وعرفات ؛ لأنه ما كان فيهما من الآبار كما هى فيها الآن (٢).
وقيل : لأن جبريل عليهالسلام أرى إبراهيم عليهالسلام مناسكه فى هذا اليوم.
وقيل : لأن آدم عليهالسلام رأى حواء فيه بعد ما هبط إلى الأرض (٣). والأول المشهور.
وينزل بمنى مع الناس اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويستحب أن يقيم فيها يوم التروية ويصلى بها الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ويبيت تلك الليلة بها حتى يصلى صلاة الصبح من يوم عرفة بها. وهذه البيتوتة ليست بواجبة ، وإنما هى للاستراحة والهيئة ؛ فإن فعلها فقد أحسن ، وإن تركها فلا شىء عليه إلا أنه يكون مسيئا ؛ حيث ترك الاقتداء بالنبى صلىاللهعليهوسلم ؛ وترك السنة مكروه إلا لضرورة (٤).
فإذا صلى الصبح بها من يوم عرفة ، يمكث هنيهة إلى أن تطلع الشمس على ثبير (٥). وهو أعلى جبل بمنى. وإن راح قبل طلوع الشمس جاز ؛ إلا أن الأفضل
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٥٨.
(٢) هداية السالك ٢ / ٩٧٢ ، المجموع ٨ / ٢٩ ، المغنى ٣ / ٤٠٦.
(٣) ينظر عن ذلك فى : طبقات ابن سعد ١ / ٣٦ تفسير الطبرى ٢ / ٨٧ ، مثير الغرام (ص : ١٧٧).
(٤) شرح اللباب (ص : ١٢٧) ، المجموع ٨ / ٩٢ ، المغنى ٣ / ٦٠ ، الشرح الكبير للدردير مع الدسوقى ٢ / ٤٣.
(٥) هو جبل مشرف على منى ، وهو أعلى جبل بمنى ، وقيل : هو جبل عظيم بالمزدلفة على يمين ـ ـ الذاهب إلى عرفة ، والمشهور الأول.