قيل لأبى يزيد رحمه الله : متى يعرف الرجل أنه على تحقيق المعرفة؟ قال : إذا صار فانيا تحت اطلاع الحق باقيا على بساط الحق بلا نفس ولا سبب ولا خلق ؛ فهو فان باق وباق فان ، وميت حى وحى ميت ، ومحجوب مكشوف ومكشوف محجوب ؛ فعند ذلك يصير هذا العبد والها على باب أمره ، هائما فى ميدان بره ، متذللا تحت جميل ستره ، فانيا تحت سلطان حكمه ، باقيا على بساط لطفه.
وقال بعضهم : حقيقة المعرفة هى عرفان قدر الله تعالى وحرمته كما قال تعالى :(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(١). وهو الأصح.
وروى أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذى ليس بعده جهل ، ولزالت الجبال بدعائكم مع أنه لا يبلغ أحد منتهى معرفته» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا ، إن الله أعظم من أن يبلغ أحدكم منتهى معرفته».
كذا ذكر هذا الحديث الحكيم أبو القاسم السمرقندى فى تصنيفه ، لكن المراد ما ذكرنا أنه لا يعرف قدر الله وحرمته وتعظيمه ؛ ولهذا قال المشايخ : كل عارف يعرف قدر الله وحرمته على قدر معرفته. وقال بعضهم : حقيقة المعرفة نور أسكنه الله تعالى قلوب خواصه.
ثم اعلم أن الناس فى المعرفة على ضربين : خاص وعام ؛ فمعرفة العام معرفة الحق ؛ وهى معرفة الإيمان التى ضدها الكفر والنكرة.
وأما معرفة الخاص هى معرفة التحقيق وهى معرفة القربة والانبساط التى ضدها البعد عن البساط. وهذه معرفة أصفياء الله تعالى وأحبابه الذين يعبدونه على بساط فردانيته ، وقد استنارت قلوبهم بنور وحدانيته. ولهذا قال أبو بكر الواسطى :المعرفة على وجهين : معرفة الإيمان ومعرفة الإيقان على ما قال الله تعالى :(زادَتْهُمْ إِيماناً) أى : يقينا على ما عرف. وفى هذا أقوال كثيرة لا يحتملها هذا البياض فاقتصرت على هذا القدر احترازا عن السآمة.
واعلم أن المعرفة على الحقيقة نور من أنوار الرب جلّ وعلا نوّر به قلوب أهل النور ، لا يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبى مرسل ولا أحد دون الله تعالى.
__________________
(١) سورة الأنعام : آية ٩١.