ثم عمّر فى صحن المسجد الشريف قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره مثل المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ وغيره بأمر الخليفة الناصر لدين الله سنة ست وسبعين وخمس مائة.
ثم احترق المسجد الشريف فى ليلة الجمعة أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، واستولى الحريق على جميع سقوفه حتى على سقف الحجرة المقدسة ، وسقط بعض سواريه. وسلم من الحريق ما فى القبة من الحواصل ، وكتب بذلك إلى الخليفة المستعصم بالله أبى أحمد بن عبد الله الإمام المستضىء بالله ، من المدينة الشريفة فى شهر رمضان المذكور ، فوصل الصنّاع والآلات مع حجاج العراق سنة خمس وخمسين وستمائة ، وسقفوا فى هذه السنة الحجرة المقدسة وما حولها إلى الحائط القبلى وإلى الحائط الشرقى إلى باب جبريل ، وسقفوا من جهة الغرب الروضة الشريفة جميعها إلى المنبر (١).
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة ، فقتل الخليفة واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن الملك المظفر يوسف بن عمر بن على ابن رسول فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة (٢).
ثم فى سنة ثمان وخمسين وستمائة من جهة صاحب مصر الملك المظفر سيف الدين قطز المعزى واسمه الحقيقى محمود بن ممدود وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه ، وأبوه ابن عم خوارزم شاه ، أسر عند غلبة التتار فباعوه بدمشق ، ثم انتقل بالبيع إلى مصر ، وتملك فى سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ثم انتقل الملك فى آخر هذه السنة إلى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى فعمل فى أيامه باقى المسجد الشريف إلى باب الرحمة إلى شمالى المسجد ، ثم إلى باب النساء ، وكمل سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف.
ولم يزل على ذلك إلى أوائل دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى سنة إحدى وسبع مائة ، فجدد سقف الرواق الذى فيه الروضة الشريفة ، وكتب عليه اسمه ، ثم جدد فى أيامه السقف الشرقى والسقف الغربى فى سنة خمس
__________________
(١) هداية السالك ٣ / ١٤١٣.
(٢) وفاء الوفاء ٢ / ٥٩٨ وما بعدها.