وفى رواية يحيى : فحن الجذع حنينا رقّ له أهل المسجد ، فأتاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوضع يده عليه فسكن ، وقال له : «إن شئت أن أردك إلى الحائط الذى كنت فيه كما كنت تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد خوصك وتمرك ، وإن شئت أن أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله من تمرك» ثم أصغى النبى صلىاللهعليهوسلم رأسه يستمع ما يقول فقال : بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله تعالى ، وأكون فى مكان لا أبلى فيه ، فسمعه من يليه فقال النبى صلىاللهعليهوسلم : «فنعم قد فعلت» ، ثم عاد إلى المنبر وأقبل على الناس فقال : «خيرته كما سمعتم فاختار أن أغرسه فى الجنة ، اختار دار البقاء على دار الفناء».
وفى رواية : فغاب الجذع وذهب.
وكان الشيخ أبو الحسن البصرى ـ رحمه الله ـ إذا حدّث بحديث الجذع بكى طويلا وقال : يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم شوقا إليه من الله تعالى ؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه (١).
وحديث الجذع مشهور ، والخبر به متواتر. وجماعة من الصحابة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث منهم : أبى بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وسهل بن سعد ، وأبو سعيد الخدرى ، وبريدة ، وأم سلمة ، والمطلب بن أبى وداعة.
وفى رواية جابر بن عبد الله : سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار (٢).
واعلم أن هذا الجذع ليس له اليوم عين ولا أثر ؛ فقد روى أن أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ أخذه لما غير المسجد وهدم فكان عنده فى بيته حتى بلى وأكلته الأرضة وعاد رفاة (٣).
__________________
(١) البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٩ ، سنن الدارمى ١ / ٢٥ ، مثير الغرام (ص : ٤٧٠).
(٢) أخرجه : البخارى (٣٥٨٥) ، والعشار : جمع عشراء ؛ وهى الناقة التى انتهت فى حملها إلى عشرة أشهر.
(٣) أحاديث حنين الجذع متواترة عن جمع غفير من الصحابة ، انظر عن ذلك : دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٥٥٦ ، أحمد ١ / ٢٤٩ ، سنن الدارمى (٣٩) وما بعده ، الأزهار المتناثرة (٣٦) ، نظم المتناثر (١٣٤ ـ ١٣٥) ، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦ ، الزرقانى على المواهب ٥ / ١٣٣. وفاء الوفا ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٩١.