الصبى أول ما يفصح بالكلام فيقول : يا أبه ويا أمه لا يعرف غير ذلك ، فأمرهم أن يذكروه كذكر الصبيان الصغار الآباء.
(أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) : أى أو أكثر ذكرا للآباء ؛ لأنه هو المنعم عليهم وعلى الآباء للذكر والحمد مطلقا. والمقصود منه : الحث على كثرة الذكر لله تعالى.
قوله : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) : نصب على التمييز ؛ تقديره : كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرا. و «أو» هاهنا لتحقيق المماثلة فى الخبر ؛ كقوله : (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(١).
وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)(٢) يعنى : ذا أمن يؤمن فيه. وأراد بالبلد مكة ، وقيل : الحرم البلد صدر القرى ، والبالد المقيم بالبلد ، والبلدة الصدر ، ووضعت الناقة بلدتها : أى بركت على صدرها.
والمراد بهذا الأمن فيه ثلاثة أقوال :
الأول : أنه سأل الأمن من القتل.
والثانى : من الخسف والقذف.
والثالث : من القحط والجدب.
وقوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣) قال الرواة : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفى عام وكانت ربذة بيضاء على الماء ، فدحيت الأرض من تحتها ، فلما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى ، فأنزل الله تعالى البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقى وباب غربى ، فوضعه موضع البيت. فقال : يا آدم ، إنى أهبطت لك بيتا تطوف به كما كنت تطوف حول عرشى ، وتصلى عنده كما كنت تصلى عند عرشى ، وأنزل الحجر ـ وكان أبيض فاسود من لمس الحيض فى الجاهلية ـ فتوجه آدم من أرض
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٧٤.
(٢) سورة إبراهيم : آية ٣٥.
(٣) سورة البقرة : آية ١٢٧.