كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً)(١) بل كل ما فعل فهو إنما فعله بالحق كما قال : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ)(٢). وله الملك ، والملك بالحق كما قال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ)(٣) ومتى علمنا أن الأمر كذلك علمنا أن له فى تخليق البشر حكمة بالغة وأسرارا شريفة ولكنه تعالى ما كشف تفاصيلها للبشر ، كما قال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٤) فوجب الإيمان بتلك الحكم على الإجمال ، وترك الخوض فى تفاصيلها.
الطريق الثانى : بيان حكمة خلق الإنسان على التفصيل ، وفيه وجوه ، ونحن نذكر منها وجها واحدا اختصارا ، وهو أن المخلوقات على أربعة أقسام :
أحدها : الذى له عقل ولا شهوة له ؛ وهم الملائكة.
والثانى : الذى له شهوة ولا عقل ؛ وهو كالحيوانات سوى الإنسان.
والثالث : الذى له شهوة وعقل وهو الإنسان ؛ فإن رجّح شهوته على عقله التحق بالبهائم بل كان أضل كما قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ)(٥).
وإن رجّح عقله على شهوته التحق بالملائكة كما قال تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(٦).
الرابع : الذى لا عقل له ولا شهوة وهو الجمادات.
ثم إنه تعالى كان فى العهد القديم والزمان الأسبق خلق الأقسام الثلاثة وبقى القسم الرابع ، وهو الذى يحصل فيه العقل والشهوة معا فاقتضت قدرته التامة ومشيئته الكاملة خلق هذا القسم الرابع كيلا يبقى شىء من الأقسام الممكنة محروما عن جود وجوده ونعمة إبداعه ؛ عند هذا قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقالت الملائكة : إنك إذا جمعت بين الشهوة والغضب وبين العقل جاءت المنازعة فيتولد الفساد من الشهوة ، ويتولد سفك الدماء من الغضب ، فقال لهم
__________________
(٤) سورة الأعراف : آية ١٧٩.
(١) سورة الدخان : آية ٣٨.
(٢) سورة الأنعام : آية ٦٢.
(٣) سورة الكهف : آية ٥١.
(٤) سورة الأعراف : آية ١٧٩.
(٥) سورة الإسراء : آية ٧٠.