مدبر العالم المحيط علمه بجميع الكليات والجزئيات : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
ويحتمل ـ والله أعلم بمراده ـ أن يقال : إنه يحصل من تخليقهم وتكوينهم كمال حكمتى ورحمتى وقدرتى ، ويحصل لهم منه أيضا كمال حالهم ودرجاتهم. أما كمال قدرتى ؛ فلئلا يبقى هذا القسم محروما عن أثر الجود. وأما كمال حكمتى ؛ فلأنه وإن كان الفساد والقتل يحصلان كثيرا إلا أن الأكثر عدمهما وحصول العبودية والتذلل أكثر منهما ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شرّ كثير فهو غير لائق بحكمتى ، وأما كمال حالهم ودرجاتهم فهو أن العمل بمقتضى العقل عند عدم الشهوة ليس فى غاية الكمال ، وإنما الكمال هو العمل بمقتضى العقل مع قيام منازعة الشهوة كما فى حق البشر فيحتمل فى ظنوننا أن المراد بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) هو هذا المعنى. والله أعلم بأسرار كلامه كذا فى «أسرار التنزيل» للشيخ فخر الدين الرازى رحمه الله.
* * *