عزّى الله بها آدم ـ عليهالسلام ـ من خيام الجنة حين وضعت له بمكة فى موضع البيت ، فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التى أسست الملائكة عليها الخيمة ، وأسسه بعده بنو آدم فى زمانهم فى موضع الخيمة ، فلما وصل إليها : أظل الله ـ تعالى ـ له مكان البيت بغمامة ، فكانت حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظلل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قدر قامته ، ثم انكشطت الغمامة ؛ فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١) ، أى : الغمامة التى ركدت على الحفاف ؛ ليهتدى بها مكان القواعد ، فلم يزل والحمد لله منذ رفعه الله معمورا (٢).
وعن خالد بن عرعرة ، عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٣). قال : إنه ليس بأول بيت مطلقا ؛ بل كان نوح ـ عليهالسلام ـ فى البيوت قبل إبراهيم ، وكان إبراهيم فى البيوت ؛ ولكنه أول بيت وضع للناس فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا بهذه الآيات. قال : إن إبراهيم لما أمر ببناء البيت فضاق به ذرعا ، فلم يدر كيف يبنى ، فأرسل الله ـ تعالى ـ إليه السكينة ؛ وهى ريح خجوج لها رأس ، حتى تطوقت مثل الحجفة (٤) ، فقالت السكينة : ابن علىّ ، فبنى عليها ، وكان يبنى كل يوم ساقا ، ومكة يومئذ شديدة الحر ، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل : اذهب فالتمس لى حجرا أضعه هاهنا ، ليبتدئ الناس به ، فذهب إسماعيل يطوف فى الجبال.
وجاء جبريل ـ عليهالسلام بالحجر الأسود ، فجاء إسماعيل فقال : من أين لك هذا الحجر؟ قال : من عند من لم يتكل على بنائى وبنائك (٥).
__________________
(١) سورة الحج : آية ٢٦.
(٢) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨١.
(٣) سورة آل عمران : آية ٩٦ ، وانظر : هداية السالك ٣ / ١٣٢٣.
(٤) الحجفة : الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب (المعجم الوسيط ١ / ١٦٥).
(٥) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوه ٢ / ٥٦ ، والأزرقى فى أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٠ ـ ٦٣ ، الكلاعى فى الاكتفا ١ / ٤٩ عن الواقدى عن أبى بكر بن سليمان بن خيثمة العدوى ؛ الطبرى فى التفسير ٣ / ٦٩.