تخوّلُهم الوقوفَ أمام ذلك الجيش الهائل ، فكان من يراهم يُصاب بالدهشة وذلك لعظم موقفهم ، وربط جأشهم وقلة مُبالاتِهم ، فأصبحوا في ذلك مَضرباً للمثل بحقٍ ، إذ لو تصفحت التاريخ لا تجد أنصاراً كهؤلاء قاتلوا بروحية عالية ، حيث يتمنىٰ أحدهم أن يُقاتل ويُقتل سبعين مرةً بلا ملل في سبيل الحسين عليهالسلام ، حتى أصبحت هذه النخبة المباركة متكاملةً من جميع الجهات ، ووصلت إلى الذروة في الإقدام والبطولة والصمود.
والفضل في هذا كله يعود في الحقيقة إلى الحسين عليهالسلام الذي انتخبهم وانتقاهم من بين الآخرين ، حيث كان عليهالسلام يلاحظ ذلك بعين الاعتبار من حيث كفاءة الرجل ونزاهته وتوطينه للنفس ، وقد أعلنها كلمةً صريحة قُبيل خروجه إلى العراق قائلا : مَنْ كان باذلاً فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فإنني راحلٌ مصبحاً إنشاء الله تعالى (١) فكان عليهالسلام حريصاً في أن تكون النخبة التي تقاتل معه وتقف إلى جانبه متكاملةً من حيث توطين النفس والإخلاص في التضحية ، ولهذا كان أحدهم كألف ، فكانوا كما قيل عنهم :
قومٌ إذا نودوا لدفع ملمّة |
|
والخيل بين مدعّس ومكردس |
لبسوا القلوب على الدروع كأنهم |
|
يتهافتون إلى ذهاب الأنفس (٢) |
وقال كعب بن جابر قاتل برير في وصفهم :
ولم ترَ عيني مثلهم في زمانهم |
|
ولا قبلهم في الناس إذا أنا يافعُ |
أشدّ قراعاً بالسيوف لدىٰ الوغى |
|
ألا كلّ من يحمي الذمار مقارعُ |
__________________
(١) اللهوف : ص ٢٦.
(٢) اللهوف : ص ٤٨.