أخرى ، ثم تقلده للمعتضد ، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفى سنة اثنتين وتسعين بعد فتنة ابن المعتز [ثم تولى] (١) القضاء بمدينة المنصور من مدينة السلام. وطسوجى قطربل ، ومسكر (٢) ، والأنبار ، وهيت ، وطريق الفرات ، ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنين : القضاء بكور الأهواز مجموعة لما مات قاضيها إذ ذاك محمّد بن خلف المعروف بوكيع ، فما زال على هذه الأعمال إلى أن صرف عنها في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
أخبرنا على بن أبي على قال حدّثني أبي أخبرني القاضي أبو نصر يوسف بن عمر ابن القاضي أبي عمر محمّد بن يوسف. قال : كنت أحضر دار المقتدر وأنا غلام حدّث بالسواد مع أبي أبي الحسن ، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر ، فكنت أرى في بعض المواكب القاضي أبا جعفر يحضر بالواد ، فإذا رآه أبي عدل إلى موضعه فجلس عنده ، فيتذاكران بالشعر والأدب والعلم حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كثير كما يجتمع على القصاص ، استحسانا لما يجرى بينهما ، فسمعته يوما قد أنشد بيتا لا أذكره الآن ، فقال له أبي : أيها القاضي إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية ، فصاح عليه صيحة عظيمة وقال : اسكت ، ألى تقول هذا؟ وأنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت ، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافه يكررها مرارا.
أخبرنا على بن أبي على عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق قال حدّثني القاضي أبو طالب محمّد بن القاضي أبي جعفر بن البهلول قال : كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه وإلى جانبه في الحق (٣) جالس أبو جعفر الطبري ، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه ، وينشده أشعارا ، ويروى له أخبارا ، فداخله الطبري في ذلك ودأب معه ، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة ، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب والعلم استحسنها الحاضرون وعجبوا منها ، وتعالى النهار ، وافترقا. فلما جعلت أسير خلفه قال لي أبي : يا بنى هذا الشيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو؟ أتعرفه؟ فقلت : يا سيدي كأنك لم تعرفه. فقال : لا. فقلت : هذا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري. فقال : تالله ما أحسنت عشرتى يا بنى. فقلت : كيف يا سيدي؟ قال ألا قلت لي في الحال ، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة ، هذا رجل
__________________
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) هكذا في الأصل.
(٣) الحق : الأرض المطمئنة ، ويطلق على مكان المأتم (الهامش).