يوما في مجلس سيف الدولة : لو لا أن الآخر جاهل لما رضى أن يدعى بالمتنبى ، لأن متنبى معناه كاذب. ومن رضى أن يدعى بالكذب فهو جاهل! فقال له : أنا لست أرضى أن أدعى بهذا ، وإنما يدعوني به من يريد الغض منى ، ولست أقدر على الامتناع. قال لنا التنوخي قال لي أبي : فأما أنا فإنى سألته بالأهواز في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة عند اجتيازه بها إلى فارس في حديث طويل جرى بيننا عن معنى المتنبي ، لأنى أردت أن أسمع منه هل تنبأ أم لا؟ فأجابنى بجواب مغالط لي : وهو أن قال : هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة ، فاستحييت أن أستقصى عليه وأمسكت. وقال لي أبو على بن أبي حامد. قال لي أبي ونحن بحلب : ـ وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطّيّب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها ـ لو لا جهله أين قوله امض على سننك إلى آخر الكلام. ومن قول الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر ٩٤ ، ٩٥] إلى آخر القصة.
وهل تتقارب الفصاحة فيهما ، أو يشتبه الكلامان!؟
أنشدنا على بن أيوب القمي قال أنشدنا أبو الطّيّب المتنبي لنفسه مما قاله في صباه :
أبلى الهوى أسفا يوم النّوى بدني |
|
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن |
روح تردّد في مثل الخلال إذا |
|
أطارت الرّيح عنه الثّوب لم يبن |
كفى بجسمي نحولا أنّني رجل |
|
لو لا مخاطبتي إيّاك لم ترن |
سمعت محمّد بن عبيد الله بن توبة الأديب يقول : لا أعلم نقل في معنى الإلف أحسن من بيت المتنبي :
خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصّبا |
|
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا |
وهذا البيت في القصيدة التي أولها :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا |
|
وحسب المنايا أن يكن أمانيا |
وهي أول قصيدة مدح بها كافور بن معن ، وذلك في سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
حدّثني على بن أيّوب. قال : خرج المتنبي من بغداد إلى فارس ، فمدح عضد الدولة وأقام عنده مديدة. ثم رجع يريد بغداد ، فقتل في الطريق بالقرب من النّعمانية في شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.