قال : فسرق هذا المعنى علي بن هشام فقصر عن إحسان عباس ، وعبّر من المعنى دون عبارته ، وإن كان عند نفسه قد زاد عليه ، قال علي :
يا موقد النار يذكيها ويخمدها |
|
قرّ الشتاء بأرواح وأمطار |
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة |
|
بالشوق يغن به يا موقد النار |
ويا أخا الذود قد طال الظمأ بها |
|
ما تعرف الري من جدب وإقتار |
رد بالعطاش على عيني ومحجرها |
|
ترو العطاش بدمع واكف جاري |
قال المرزباني : حدّثني الحكيمي ، حدّثني يموت بن المزرّع ، حدّثني أبو هفّان ، حدّثني دعبل بن علي الخزاعي ، أنشدني علي بن هشام المروزي العابد لنفسه :
يا موقد النار يذكيها ويخمدها
وذكر الأبيات ، وزاد في آخرها ، قال دعبل فعارضه رجل فقال :
يا من شكا الماء للحبّ تشبّهه |
|
بالنار في الصّدر من همّ وتذكار |
إنّي لأكبر ما بي أن أشبهه شيئا |
|
يقاس إلى مثل ومقدار |
والله والله والرّحمن ثالثه |
|
وما بمكة من حجب وأستار |
لو أن قلبي في نار لأحرقها |
|
لأنّ إحراقه أذكى من النار |
ومما يستحسن من شعره بيتان قالهما في جاريته (١) :
فليت يدي بانت غداة مددتها |
|
إليك ولم ترجع بكفّ وساعد |
فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا |
|
فلست إلى يوم التّناد بعائد |
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، أنا أبو منصور بن عبد العزيز ، أنا أبو الحسن بن الصّلت ، أنا أبو الفرج علي بن الحسين الكاتب (٢) ، حدّثني الهشامي قال : كتبت متيم وبذل كتابا إلى علي بن هشام وهو بالجبل يتشوقانه (٣) ، فقالت لهما مراد
__________________
(١) البيتان في الأغاني ٧ / ٢٩٨ في أخبار متيم الهشامية ، وذكر الأصبهاني سبب قولهما قال : كلم عليّ بن هشام متيم فأجابته جوابا لم يرضه ، فدفع يده في صدرها ، فغضبت ونهضت ، فتثاقلت عن الخروج إليه ، فكتب إليها.
(٢) الخبر والشعر في الإماء الشواعر للأصفهاني ص ٨٨ ـ ٨٩.
(٣) بالأصل : يتشوقه ، والمثبت عن الإماء الشواعر.