فإنّ الموت يأتيك وإن طال عمرك ، والحساب أمامك ، والقيامة موعدك ، وقد كان هذا الأمر الذي أنت فيه بيد غيرك ، فلو بقي له لم يصل إليك ، وسينتقل عنك كما انتقل عنه ، وإنّه لا يبقى لك ولا تبقى له ، فقدّم لنفسك خيرا تجده محضرا ، وتزوّد من دار الغرور لدار الفرح والسرور ، واعتبر بمن كان قبلك ممّن خزن الأموال وكثّر الأقلال وجمع الرجال فلم يستطع دفن المنيّة ، ولا ردّ الرزيّة ، فلا تغترّ بدنيا الدنيّة واعتبر بقول القائل :
وكيف يلذّ العيش من كان موقنا |
|
بأنّ المنايا بغتة ستعاجله |
وكيف يلذّ النوم من كان مؤمنا |
|
بأنّ إله الخلق لا بدّ سائله |
وكيف يلذّ العيش من كان صائرا |
|
إلى جدث يبلى الثياب منازل |
وكيف يلذّ النوم من أثبتوا له |
|
مثاقيل أوزان الذي هو فاعله |
فنرجع إلى ما كنّا فيه بأنّ كثرة الديارات في أراضي العراق سيّما في نواحي سامرّاء ليس إلّا لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها.
وأيضا يدلّ هذا على انتشار النصرانيّة في تلك الديار ، ثمّ اندرست النصرانيّة منها على توالي القرون ، وعفت آثارها فيها ، وأقفرت من كلّ أنيس في هذا الوقت إلّا الصدى والبوم.
وفي تاريخ الحيرة أيضا : وكان في العراق الدين السائد النصرانيّة في القرن الأوّل من ميلاد المسيح بعد أن كانوا وثنيّين ، ثمّ فشت فيهم الأديان المختلفة من عبادة الأوثان والقمر وغيرها ، وكان لجذيمة الأبرش صنمان يقال لهما ضيزمان مكانهما كان معروفا بالحيرة ، وكان هذان الصنمان باقيين حتّى أيّام المنذر الأكبر اتخذهما بباب الحيرة يسجد لهما من دخل امتحانا للطاعة ، وكان في الحيرة صنم آخر اسمه «سبد» ، يحلفون به ويقولون : وحقّ سبدكما أنّهم يعبدون العزّى وهي الزهرة.
وطائفة من أهل العراق يعبدون القمر أخذوها من الصائبة.