كما أنّ المانويّة تفشّت بين ظهراني القوم إلى أن ظهرت المزدكيّة في فارس في أيّام قباذ الساساني سنة ٥٢٩ ميلادي ، وشايعها الناس من كلّ طبقة ، وإنّ بها جماعة من العرب منهم الحارث ابن عمرو بن حجر الكندي فآنس قباذ منه لعمله هذا وامتعض من ملك الحيرة المنذر الثالث بن امرئ القيس لرفضه المزدكيّة فطرده من العرش وأحلّ محلّه الحارث بن عمرو الكندي المزدكي المذهب فدخلت المزدكيّة الحيرة.
وقال صاعد الأندلسي : كانت الزندقة في قريش أخذوها عن أهل الحيرة ثمّ دخل فيها اليهوديّة.
وقال في تاريخ الحيرة أيضا : أمّا النصرانيّة فكانت الدين السائد في الحيرة ودان بها معظم اهاليها من ملوكها وأمرائها ووزرائها ، وانتشرت النصرانيّة في العراق ، وأوّل من تنصّر من ملوك آل نصر بن ربيعة وعمّال ملوك الفرس امرؤ القيس والمنذر بن امرئ القيس ، وفشت النصرانيّة في العراق سنة ٥٩٥ ميلادي وبنوا في حاضرة المملكة الكنائس العظيمة ، وكان معظم نصارى الحيرة نساطرة ، وفي الأنبار بنو اكنيسة ، وكذا في المدائن ، وكثرت الديارات.
وكان في الحيرة بيع جميلة حسنة البنيان مزخرفة بالنقوش والفسيفساء ، وكان يجعلون في حيطان دياراتهم الفسافس وفي سقوفها الذهب والصور ، وكان النعمان يركب في كلّ عيد ومعه أهل بيته عليهم حلل الديباج المذهّب وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب وفي أوساطهم الزنانير المفضضة وبين أيديهم أعلام فوقها صلبان ، فإذا قضوا صلاتهم انصرفوا في مستشرفة في النجف.