المغرب والمشرق ، وعلى الأخصّ من ماوراء النهر بغية تكوين جيش مطيع ينزل على إرادته على الدوام ، غير أنّ تكاثر هذا الجيش الغريب في العاصمة القديمة بغداد ـ والمزدحمة بالسكان يؤدّي إلى حدوث بعض الوقايع بين العساكر والأهلين فيقرّر الخليفة إزاء هذا الحال إحداث عاصمة جديدة بعيدة عن القديمة ينتقل إليها بعساكره وقوّاده ووزرائه وكتّابه وأتباعه ويدعو الناس إليها.
فيمضي الخليفة في تحقيق فكرته هذه بعزم قويّ وفق خطّة محكمة فينتخب موقع سامرّاء بعد التحرير والبحث ، ومع هذا لم تأت بالفوائد التي قصدها ، فنقول : إنّ المعتصم كان حسب حسابا لكلّ شيء في هذا الباب غير شيء واحد وهو التطوّر الذي يحدث في نفسيّة الجيش بطبيعة الحال عندما يتكوّن أفراده وقوّاده من الغرباء ولو كانوا في الأصل من الأرقّاء.
أراد المعتصم بخطّته هذه أن يتخلّص من مشاغبات الأهالي غير أنّه لم يدرك بأنّ هذه الخطّة ستؤدّي عاجلا أم آجلا إلى جعل الخلافة ألعوبة في أيدي الجنود الغرباء وقوّاده الطامعين ، وهذا ما حدث فعلا ، فقبل أن تمضي عشرون سنة على وفاة الخليفة المعتصم الذي وضع هذه الخطّة وشرع في تطبيقها تفاقمت سيطرة القوّاد ووصلت بهم الجرأة إلى درجة قتل الخليفة المتوكّل قتلا فظيعا ، وبعد ذلك تتابعت الأحداث والاضطرابات ، وأفضت الى قتل الخلفاء وخلعهم ثلاث مرّات متواليات خلال عشر سنوات إلى أن تولّى الخلافة المعتمد ، وبعد أن صرف بعض الجهود في سبيل توطيد دعائم ملكه في سامرّاء نفسها رأى أن ينهي هذه المحاولات كلّها فقرّر أن يترك سامرّاء بالكلّيّة وأن يعيد كرسي الخلافة إلى بغداد بصورة نهائيّة ولذلك نستطيع أن نقول أنّ الخطّه السياسيّة التي وضعها المعتصم والتجربة الاجتماعيّة التي قام بها تنفيذا لهذه الخطّة انتهت بفشل تامّ.