النصارى ، تتحوّل في مثل لمح البصر إلى مدينة كبيرة لتكون عاصمة لدولة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ في دور من ألمع أدوار سؤددها ، تنمو هذه المدينة الجديدة وتزدهر بسرعة هائلة لم ير التاريخ مثلها في جميع القرون السالفة ولم يذكر ما يماثلها بعض المماثلة إلّا في القرن الأخير في بعض المدن التي نشأت تحت ظروف خاصّة في بعض الأقسام من العالم الجديد ، غير أنّ هذا الازدهار العجيب لم يستمرّ مدّة طويلة ؛ لأنّ المدينة تفقد صفة العاصمة التي كانت علّة وجودها وعامل كيانها قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها ، فتأخذ في الاقفرار والاندراس بسرعة هائلة لا تضاهيها سرعة ، وبعد أن كان الناس يسمّونها باسم سرّ من رأى أضحوا يسمّونها ساء من رأى ، وبعد أن كان الشعراء يتسابقون في مدح قصورها أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها.
وفي الواقع ماتت سامرّاء ميتة فجائيّة بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن ، وأمست رموسا وأطلالها هائلة تمتدّ اليوم أمام أنظار الزائر ، وتتوالى تحت أقدام المسافر ، إلى أبعاد شاسعة لا يقلّ امتدادها عن الخمسة وثلاثين من الكيلومترات ، وعندما يتجوّل المرأ بين هذه الأطلال المترامية الأطراف ويتأمّل في السرعة العظيمة التي امتاز بها تأسيس مدينة سامرّاء وتوسّعها من جهة واقفرارها من جهة أخرى لا يتمالك نفسه من التساؤل عن العوامل التي سيطرت على مقدّرات هذه المدينة العظيمة ، وصيّرت قصّة حياتها بهذا الشكل الغريب.
وإنّ العوامل السياسيّة التي لعبت دورا هامّا في هذا المضمار لم تكن كثيرة التعقيد بل إنّها تتجلّى لنا بكلّ وضوح عندما نلقي نظرة عامّة على أهمّ الحوادث التي وقعت في عهود الخلفاء الثمانية الذين توالوا على أريكة الخلافة العبّاسيّة في سامرّاء وإيجاد الخليفة المعتصم ـ وهو ابن هارون الرشيد ـ مشاكل كبيرة في إدارة البلاد فيرى أن يتغلّب عليها باستخدام جيش من الموالي والمماليك فيكثر من شراء الغلمان من بلاد