على حجر عظيم من جصّ وحصى ، كان بارزا في وسط دجلة ، ولم يكن هناك بناء غيره ، جعل بها مسالح وعيونا وربايا (١) ، تكون بينهم وبين الروم لئلّا يدهمهم من جهتهم أمر فجأة ، وكان بها قائد من قوّاد الفرس ومرزبان (٢) من مرازبتهم ، فخرج ذلك المرزبان يوما يتصيّد في تلك الصحاري فرأى حيّا من أحياء العرب نازلا في تلك البادية فدنا منهم فوجد الحيّ خلوقا ليس فيه غير النساء فجعل يتأمّل النساء وهنّ ينصرفن من أشغالهنّ ، فأعجب بامرأة منهنّ وعشقها عشقا مبرحا فدنا من النساء فأخبرهنّ بأمره وعرّفهنّ أنّه مرزبان هذه القلعة وقال : إنّني قد هويت فتاتكم هذه وأحبّ أن تزوّجونيها ، فقلن : هذه بنت سيّد هذا الحيّ ونحن قوم من النصارى وأنت رجل مجوسيّ ولا يسوغ في ديننا أن نزوّج بغير أهل ملّتنا. فقال : أنا أدخل في دينكم. فقلن له : إنّه خير إن فعلت ذلك ولم يبق إلّا أن يحضر رجالنا وتخطب إليهم كريمتهم فإنّهم لا يمنعونك.
فأقام إلى أن رجع رجالهنّ وخطب إليهم فزوّجوه فنقلها إلى القلعة وانتقل منها عشيرتها إكراما لها فنزلوا حول القلعة ، فلمّا طال مقامهم بنوا هناك أبنية ومساكن ، وكان اسم المرأة تكريت فسمّي الربض باسمها ثمّ قيل قلعة تكريت نسبوها إلى الربض ، وافتتحها المسلمون في سنة ستّ عشرة من الهجرة فتحها سعد بن أبي وقّاص ، أرسل عليها جيشا عليه عبد الله بن المعتمّ فحاربهم حتّى فتحها عنوة ، وقال في ذلك :
ونحن قتلنا يوم تكريت جمعها |
|
فلله جمع يوم ذاك تتابعوا |
ونحن أخذنا الحصن والحصن شامخ |
|
وليس لنا فيما هتكنا مشايع |
__________________
(١) الربى والربيئة الطليعة من الجيش جمعه الربايا بفتح الراء ، يقال : بنوا رباياهم أي طلائعهم.
(٢) المرزبان ـ بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضمّ الزاء المعجمة ثمّ باء وألف ونون ـ هو الرئيس عند الفرس جمعه مرازبة.