وكان بين تكريت وسامرّاء تسعة فراسخ من جهة الغرب الشمالي ثمّ توافى سرّ من رأى ومنها ينحدر إلى بغداد تنبطح في رساتيقها ويسقى بساتينها ، وتمرّ على القرى الشرقيّة فينصبّ فيها الفرات فوق البصرة فتحمل السفن الكبار ، وتمرّ على حدّ ايران ويصبّ فيها نهر تستر في جنوب المحمّرة وهي بلدة عامرة من البنادر العظام ومركز العشر بين العراق وايران وتاريخ بنائها «ررغلا» ويقال لها اليوم خرّمشهر الموافق لسنة ١٢٣٥.
بينها وبين البصرة ستّة فراسخ وأهلها شيعة إماميّة بين أصوليّ وأخباريّ غير أنّ فيها جمعا من اليهود وطائفة من كفرة الهنود ، ونهر تستر ليس بأقلّ من نهر دجلة فيحمل السفن الكبار ويمرّ على عبّادان ثمّ ينصبّ في بحر الهند. ومن أكبر نعم الله وعطاياه وأعظمها التي أنعمها الله على أهل البصرة والمحمّرة الجزر والمدّ حيث أنّ دجلة فيهما تسقى البساتين حال المدّ بأسرها من غير تعب الفلّاحين والزرّاع ، وهي من عجائب الدهر ، فإذا جرت الأنهر الثلاثة المختلطة فوق الخليج من ناحية الشمال سمّوه مدّا يكون ذلك في كلّ يوم وليلة مرّتين فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا ، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أوّل كلّ شهر ووسطه أكثر من سائره لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغيّر عن هذا الاستمرار أبدا.
ودجلة والفرات هما السببان القويّان لتقدّم العمران وبتسخيرهما بحفر الجداول ونصب المضخّات يحصل الغنى والثروة ، وبالغنى والثروة المقرونين بالعدل والإحسان ينال العراق أعلى رتبة الرقي والسيادة فتدبّر كلام الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث يقول : «العالم حديقة وسياجها الشريعة ، والشريعة سلطان يجب له الطاعة ، والطاعة سياسة يقوم بها الملك ، والملك نظام يعضده الجيش ، والجيش أعوان يكفلهم المال ، والمال رزق تجمعه الرعيّة ، والرعيّة سواد يستعبدهم العدل ، والعدل أساس به قوام العالم ؛ فبالعدل قوم العالم ، فبالعدل قوام العالم ـ قالها ثلاثا ـ».