ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقتنا أهل البيت ، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها ، بسرّ أطّلعك عليه وأنفّذك في شراء جارية ، فكتب كتابا لطيفا بخطّ روميّ ولغة روميّة وطبع عليه خاتمه وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال : خذها وتوجّه بها إلى بغداد وأحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت ترى إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى بعمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لا بسة حريرين صفيقين تمتنع من السفور ولمس المتعرّض والانقياد لمن يحاول لمسها أو يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة ، فاعلم إنّها تقول : واهتك ستراه! فيقول بعض المبتاعين بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربيّة : لو برزت في زيّ سليمان بن داود على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك. فيقول النخّاس : فما الحيلة ولا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : إنّ معي كتابا مختوما لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطا روميّ ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه فناولها لتأمّل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليهالسلام في أمر الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا فقالت لعمر بن يزيد : بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بأيمان المغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه أهلكت نفسها ، فمازلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه