من بغداد ونزل سامرّاء وسكنها.
وقال أهل السير : إنّ جيوش المعتصم كثروا حتّى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفا ، فمدّوا أيديهم إلى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد فاجتمع العامّة ووقفوا للمعتصم وقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما شيء أحبّ إلينا من مجاورتك لأنّك الإمام والحامي للدين وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعمّنا أذاهم ؛ فإمّا منعتهم عنّا أو نقلتهم عنّا. فقال : أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكنّي أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه ، فنظروا فإذا الأمر قد زاد فعظم ، فخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا : إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك بالأسحار. فقال : هذه جيوش لا قدرة لي بها ، نعم أتحوّل وكرامة ، وساق من فوره حتّى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك ، فعمر الناس حول قصره حتّى صارت أعظم بلاد الله.
وقال الطبري وابن الأثير الجزري في تاريخيهما ـ واللفظ للثاني ـ : وفي هذه السنة ـ يعني سنة عشرين ومأتين ـ خرج المعتصم إلى سامرّاء لبنائها ، وكان سبب ذلك إنّه قال : إنّي أتخوّف من هؤلاء الحربية أن يصيّحوا صيّحة فيقتلون غلماني فأريد أن أكون فوقهم ، فإن رابني منهم شيء أتيتهم في البرّ والبحر حتى آتي عليهم ، فخرج إليها فأعجبه مكانها.
وقيل : كان سبب ذلك أنّ المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلا وذلك أنّهم كانوا جفاة يركبون الدوابّ فيركضون إلى الشوارع فيصدمون الرجل والمرأة والصبي فيأخذهم الإباء عن دوابّهم ويضربونهم ، وربّما هلك أحدهم فتأذّى بهم الناس ، ثمّ إنّ المعتصم ركب يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له : يا أبا إسحاق ، فأراد الجند ضربه فمنعهم ، فقال : يا شيخ ، مالك؟ مالك؟ قال : لا جزاك الله عن الجوار خيرا ؛ جاورتنا وجئت بهؤلاء