والطلاب. قيل : ودخلت الهاء للمبالغة لشدة ما يقع فيه من الهول ، وسمي بذلك إما لقيامهم من القبور ، أو لقيامهم للحساب. قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) ولما كان الحشر جائزا بالعقل ، واجبا بالسمع ، أكده بالقسم قبله وبالجملة بعده من قوله : لا ريب فيه. واحتمل الضمير في فيه أن يعود إلى اليوم ، وهو الظاهر. وأن يعود على المصدر المفهوم من قوله تعالى : ليجمعنكم. وتقدم تفسير لا ريب فيه في أول البقرة.
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً). هذا استفهام معناه النفي ، التقدير : لا أحد أصدق من الله حديثا. وفسر الحديث بالخبر أو بالوعد قولان ، والأظهر هنا الخبر. قال ابن عطية : وذلك أنّ دخول الكذب في حديث البشر إنما علته الخوف أو الرجاء أو سوء السجية ، وهذه منفية في حق الله تعالى ، والصدق في حقيقته أن يكون ما يجري على لسان المخبر موافقا لما في قلبه ، والأمر المخبر عنه في وجوده انتهى. وقال الماتريدي : أي إنكم تقبلون حديث بعضكم من بعض مع احتمال صدقه وكذبه ، فإن تقبلوا حديث من يستحيل عليه الكذب في كل ما أخبركم به من طريق الأولى. وطوّل الزمخشري هنا إشعارا بمذهبه فقال : لا يجوز عليه الكذب ، وذلك أنّ الكذب مستقل بصارف عن الإقدام عليه وهو قبحه الذي هو كونه كذبا وإخبارا عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، فمن كذب لم يكذب إلا لأنه محتاج إلى أن يكذب ، ليجرّ منفعة ، أو يدفع مضرة ، أو هو غني عنه ، إلا أنه يجهل غناه ، أو هو جاهل بقبحه ، أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في أخباره ، ولا يبالي بأيهما نطق ، وربما كان الكذب أحلى على حنكه من الصدق. وعن بعض السفهاء : أنه عوتب على الكذب فقال : لو غرغرت لهراتك به ، ما فارقته. وقيل لكذاب : هل صدقت قط؟ فقال : لولا أني صادق في قولي لا ، لقلتها. فكان الحكيم الغني الذي لا تجوز عليه الحاجات ، العالم بكل معلوم ، منزها عنه كما هو منزه عن سائر القبائح انتهى. وكلامه تكثير لا يليق بكتابه ، فإنه مختصر في التفسير. وقرأ حمزة والكسائي : أصدق بإشمام الصاد زايا ، وكذا فيما كان مثله من صاد ساكنة بعدها دال ، نحو : يصدقون وتصدية. وأما إبدالها زايا محضة في ذلك فهي لغة كلب. وأنشدوا :
يزيد الله في خيراته |
|
حامي الذمار عند مصدوقاته |
يريد : عند مصدوقاته.
__________________
(١) سورة المطففين : ٨٣ / ٦.