(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) ذكروا في سبب نزولها أقوالا طولوا بها وملخصها : أنّهم قوم أسلموا فاستوبئوا المدينة فخرجوا ، فقيل لهم : أما لكم في الرسول أسوة؟ أو ناس رجعوا من أحد لما خرج الرسول ، وهذا في الصحيحين من قول زيد بن ثابت. أو ناس بمكة تكلموا بالإسلام وهم يعينون الكفار ، فخرجوا من مكة. قال الحسن ، ومجاهد : خرجوا لحاجة لهم ، فقال قوم من المسلمين ، اخرجوا إليهم فاقتلوهم ، فإنهم يظاهرون عدوكم. وقال قوم : كيف نقتلهم وقد تكلموا بالإسلام؟ رواه ابن عطية عن ابن عباس. أو قوم قدموا المدينة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ، أو قوم أعلنوا الإيمان بمكة وامتنعوا من الهجرة قاله : الضحاك. أو العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا ، أو المنافقون الذين تكلموا في حديث الإفك.
وما كان من هذه الأقوال يتضمن أنهم كانوا بالمدينة ، يردّه قوله : (حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) (١) إلا إن حملت المهاجرة على هجرة ما نهى الله عنه ، والمعنى : أنه تعالى أنكر عليهم اختلافهم في نفاق من ظهر منه النفاق أي : من ظهر منه النفاق قطع بنفاقه ، ولو لم يكونوا باديا نفاقهم ، لما أطلق عليه اسم النفاق. وفي المنافقين متعلق بما تعلق به لكم ، وهو كائن أي : أيّ شيء كائن لكم في شأن المنافقين. أو بمعنى فئتين أي : فرقتين في أمر المنافقين. وانتصب فئتين على الحال عند البصريين من ضمير الخطاب في لكم ، والعامل فيها العامل في لكم. وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على إضمار كان أي : كنتم فئتين. ويجيزون مالك الشاتم أي : كنت الشاتم ، وهذا عند البصريين لا يجوز ، لأنه عندهم حال ، والحال لا يجوز تعريفها.
(وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) أي : رجّعهم وردّهم في كفرهم قاله : ابن عباس ، واختار الفراء والزجاج : أوبقهم. روي عن ابن عباس : أو أضلهم ، قاله السدي. أو أهلكهم قاله قتادة ، أو نكسهم قاله الزجاج. وكلها متقاربة. ومن عبر به عن الإهلاك فإنه أخذ بلازم الإركاس. ومعنى بما كسبوا أي : بما أجراه الله عليهم من المخالفة ، وذلك الإركاس هو بخلق الله واختراعه ، وينسب للعبد كسبا.
وقال الزمخشري : والله أركسهم أي : ردّهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ، ولحوقهم بالمشركين ، واحتيالهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. أو أركسهم في الكفر
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٩.