الفصل الأول
التمهيد
صور من تواضع أمير المؤمنين علي رضياللهعنه (١)
أخرج البخاري في الأدب (ص ٨١) عن صالح بياع الأكسية عن جدته قالت : رأيت عليا رضياللهعنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفته ، فقلت له ـ أو قال له رجل ـ : أحمل عنك يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، أبو العيال أحق أن يحمل. أخرجه ابن عساكر كما في المنتخب (٥ / ٥٦) ، وأبو القاسم البغوي : كما في البداية (٨ / ٥) عن صالح بنحوه.
وأخرج ابن عساكر عن زاذان عن علي رضياللهعنه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال ، يرشد الضال ، وينشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) [القصص : ٨٣]. ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر الناس. كذا في المنتخب (٥ / ٥٦) وأخرجه أبو القاسم البغوي نحوه كما في البداية (٨ / ٥).
وأخرج ابن سعد (٣ / ١٨) عن جرموز قال : رأيت عليا رضياللهعنه وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان : إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر قريب منه ، ومعه درّة له يمشي بها في الأسواق ، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ، ويقول : أوفوا الكيل والميزان ، ويقول : لا تنفخوا اللحم. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (٣ / ٤٨). وأخرج ابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو يعلى والبيهقي وابن عساكر ـ وضعف ـ عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي : ارفع إزارك فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك ، وخذ من رأسك إن كنت مسلما ؛ فإذا هو علي ومعه الدّرّة ، فانتهى إلى سوق الإبل فقال : بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة. ثم أتى صاحب التمر فإذا خادم تبكي فقال : ما شأنك؟ قالت : باعني هذا تمرا بدرهم فأبى مولاي أن يقبله ، فقال : خذه وأعطها درهما فإنه ليس لها أمر ، فكأنه أبي ، فقلت : ألا تدري من هذا؟ قال لا ، قلت : علي أمير المؤمنين ، فصب
__________________
(١) كتاب حياة الصحابة رضياللهعنهم.