٦٢ ـ ذكر مناظرة عبد الله بن عباس الحرورية
واحتجاجه فيما أنكروه على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضياللهعنه
١٩٠ ـ أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثني أبو زميل قال : حدثني عبد الله بن عباس قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين! أبرد بالصلاة ، لعلي أكلم هؤلاء القوم. قال : إني أخافهم عليك. قلت : كلا. فلبست ، وترجلت (١) ، ودخلت عليهم في دار ، نصف النهار ، وهم يأكلون ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، فما جاء بك؟! قلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم المهاجرين ، والأنصار ، ومن عند ابن عم النبي صلىاللهعليهوسلم ، وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ، لأبلغكم ما يقولون ، وأبلغهم ما تقولون. فانتحى لي نفر منهم. قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وابن عمه ، قالوا : ثلاث. قلت : ما هن؟
قالوا : أما إحداهن ، فإنه حكّم الرجال في أمر الله ، وقال الله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [الأنعام : ٥٧ : يوسف : ٤٠ ، ٦٧] ما شأن الرجال والحكم؟ قلت : هذه واحدة.
قالوا : وأما الثانية ، فإنه قاتل ، ولم يسب ولم يغنم. إن كانوا كفارا لقد حل سبيهم ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيهم ولا قتالهم. قلت : هذه ثنتان ، فما الثالثة؟ وذكر كلمة معناها.
قالوا : محى نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين. قلت : هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا : نعم.
قلت : أما قولكم حكّم الرجال في أمر الله ، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم ، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا
__________________
(١) ترجلت : رجلت شعري ، أو ترجلت : سرت راجلا أي على قدمي ولم أركب.