الموضع المعروف بالمناصع ، وتقدم بيان زقاق المناصع شرقي المسجد فيما يلي الشام ، وسبق في الفصل الحادي عشر من الباب الثالث أن ناقته صلىاللهعليهوسلم بركت بين أظهر بني النجار ، أي شرقي المسجد النبوي ، ثم نهضت حتى أتت زقاق الحبشي ببئر جمل فبركت ، الحديث ، وهو مؤيد لما قدمناه على أن عند مؤخر المسجد زقاقا يعرف اليوم بخرق الجمل ، وبقرب درب سويقة بئر صغيرة في زقاق ضيق زعم أهل تلك الناحية أنها هي ، وأظنه غلطا.
وقال المطري عقب ذكر الآبار التي اقتصر عليها ابن النجار : إنها ست ، والسابعة لا تعرف اليوم ، إلا ما يسمع من قول العامة إنها بئر جمل ، ولم تعلم أين هي ، ولا من ذكرها غير ما ورد في حديث البخاري ، وذكر ما قدمناه.
ثم قال : ولم يذكر بئر جمل في السبع المشهورة ، وكأنه لم يقف على ذكر ابن زبالة لها في الآبار وروايته لما تقدم.
بيرحاء : ـ روينا في صحيح البخاري عن أنس قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه ببرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إن الله عزوجل يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحبّ أموالي إليّ بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بخ ، ذلك مال رايح ، وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ، وفي رواية له «فجعلها لأبيّ وحسان» وكانا أقرب إليه منّي ، وفي رواية له أيضا عقب قوله «وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء» قال : وكانت حديقة ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخلها ، ويستظل فيها ، ويشرب من مائها ، قال : فهي إلى الله وإلى رسوله أرجو بره وذخره ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بخ يا أبا طلحة ذلك مال رايح ، قد قبلناه منك ، ورددناه عليك ، فاجعله في الأقربين» فتصدّق به أبو طلحة على ذوي قربى رحمه ، قال : وكان منهم أبيّ وحسان ، قال : فباع حسان حصته منه من معاوية ، فقيل له : تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال : ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية.
قال الحافظ ابن حجر : وزاد ابن عبد البر في روايته : وكانت دار أبي جعفر والدار التي تليها إلى قصر بني جديلة حائطا لأبي طلحة يقال له بيرحاء ، قال : ومراده بدار أبي جعفر الدار التي صارت إليه وعرفت به ، وهو أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي. وقصر بني