وأهل المدينة اليوم يذهبون من الطريق العظمى ، ويرجعون في بعض تلك الطريق السابقة ؛ لأنهم يأخذون من جهة قبلة المصلّى إلى المشرق خارج سور المدينة ، فيدخلون من درب البقيع ، وطريقهم هذه في الرجوع أطول من الذهاب أيضا ، ولو سلكوا الطريق المذكورة في رواية الشافعي الثانية لكان أولى ، وليحصل الدعاء بذلك المحل الشريف اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم ومن تقدم ذكره من السلف الصالح.
وقد فعلت ذلك في عامنا هذا ، فسلكت في الذهاب إلى المصلّى من الطريق العظمى ، ورجعت من أسفل السوق إلى أن قمت بفناء بركته المذكورة ، ثم انصرفت فدخلت المدينة من الباب الذي يلي حصن أمير المدينة ، والخير كله في الاتباع ومجانبة الابتداع ، وأي بركة أعظم من ذهاب الإنسان إلى المصلى في ذلك اليوم السعيد في طريق ذهب منها النبيّ صلىاللهعليهوسلم؟ ثم صلاته بمصلّاه الشريف ، ثم رجوعه في طريقه التي رجع منها.
وقد قال المجد : وإذا ثبت بما رويناه ـ يعني من الأحاديث المتقدمة ـ أن المصلّى الموجود هو مصلى النبي صلىاللهعليهوسلم في الأعياد ، فالصلاة فيه تزداد فضلا ومزية على كل مصلى أيّ ازدياد ، ويخص الفائزون بالصلاة فيه من الله تعالى بأسبغ نعم وأياد ، ويمنح الحائزون فضل الحضور إليها فواضل قصرت عنها معالي معد وأيادي إياد.
قلت : وأخبرني جماعة من المشايخ منهم شيخنا الكمال أبو الفضل محمد ابن العلامة نجم الدين المرجاني وأخته المسندة أم كمال كماليه والمسندة أم حبيبة زينب ابنة الشهابي أحمد الشونكي وغيرهم إذنا عن المجد المشار إليه قال عقب ما تقدم عنه : أنشدني أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الحموي كتابة عن أبي البركات أيمن بن محمد بن محمد بن محمد الغرناطي لنفسه :
إنّ عيدا بطيبة وصلاة |
|
بمصلّى الرسول في يوم عيد |
نعم ضاق واسع الشكر عنها |
|
فهي بشرى لكل عبد سعيد |
كم تمنيتها فنلت التمني |
|
آخر العمر من مكان بعيد |
وإذا كان في البقيع ضريحي |
|
وتوسّدت طيب ذاك الصعيد |
فاشهدوا لي بكلّ خير وبشر |
|
عند ربي ومبدئي ومعيدي |
والمسئول من فضل الله تعالى أن يكمل لأهل هذا المصلى الشريف عظيم منته بجعل منبره المنيف على طريقته صلىاللهعليهوسلم وسنته ، بمنه وكرمه ، آمين.