لمروان على بعض مساعي اليمن ، وكان الأنصاري عدا على رجل فأخذ منه بقرة ليست عليه ، فتبع ذباب الأنصاريّ حتى قدم المدينة ، ثم جلس له في المسجد حتى قتله ، فقال له مروان : ما حملك على قتله؟ قال : ظلمني بقرة لي ، وكنت امرأ خبيث النفس فقتلته ، فقتله مروان وصلبه على ذباب.
وتقدم من رواية ابن شبة في اتخاذ المقصورة في المسجد ما يقتضي أن الرجل الذي ظلمه ساعي مروان اسمه دب ، وأنه إنما همّ بقتل مروان ، فأخذه مروان ، فذكر له السبب المتقدم وأنه حبسه ثم أمر به فقتل.
وقال ابن شبة : قال أبو غسان : وأخبرني بعض مشايخنا أن السلاطين كانوا يصلبون على ذباب ، فقال هشام بن عروة لزياد بن عبيد الله الحارثي : يا عجبا ، يصلبون على مضرب قبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكفّ عن ذلك زياد وكفت الولاة بعده عنه.
قلت : وقد جعل المطري في الكلام على الخندق مضرب قبّة النبي صلىاللهعليهوسلم هو محل مسجد الفتح من سلع ؛ لظنه أن الخندق لم يكن إلا في غربي سلع ، وكأنه لم يطلع على ما هنا. ولم أر لما ذكره أصلا في كلام غيره ، وقد غاير أبو عبد الله الأسدي بين مسجد الفتح ومسجد ذباب كما قدمناه ، وسيأتي ما يؤخذ منه أن الخندق كان شامي المدينة بين حرّتيها الشرقية والغربية.
وفي اتخاذ المسجد على هذا الجبل رد لما أوّل به الطبراني الصلاة عليه بالدعاء فإنه روى بسند فيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن سهل بن سعد أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلى على ذباب ، قال الطبراني عقبه : بلغني أن ذبابا جبل بالحجاز وقوله «صلى» أي : بارك عليه.
قلت : صرح ابن الأثير بأنه جبل بالمدينة ، وفي الاكتفاء في غزوة تبوك ما لفظه : فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب.
وقد قال الكمال الدميري : إن في كتب الغريب أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلب رجلا على جبل يقال له ذباب ، وإن البكري قال : هو جبل بجبّانة المدينة.
وتقدم في منازل بني الديل حول ثنية الوداع ذكر الجبّانة ، وكذا في ذكر البلاط.
وقال الواقدي في كتاب الحرة : إنهم لما اصطفّوا لقتال جيش الحرّة على الخندق ، وكان يزيد بن هرمز في موضع ذباب إلى مربد النّعم معه الدهم من الموالي ، وهو يحمل رايتهم ، وهو أميرهم ، وقد صف أصحابه كراديس بعضها خلف بعض إلى رأس الثنية أي : ثنية الوداع.
وهذا كله صريح في أن ذبابا هو الجبل المذكور ، ولعل السبب في اشتهار مسجده بمسجد الراية ما ذكره الواقدي من أن يزيد بن هرمز كان في موضعه ومعه راية الموالي.