انمحى. وابتداء ولاية السلطان حسن المذكور في سنة ثمان وأربعين ، واستمر إلى أثناء سنة اثنتين وستين وستين وسبعمائة ، وهذا المسجد بابه في حائطه الشامي قريبا من محاذاة محرابه ، ومن خارج بابه على يمين الداخل منه درج يصعد إلى موضع لطيف على ميمنة الباب المذكور ، وقد أصلح ما تشعّث من هذا المسجد الأمير بردبك المعمار سنة إحدى وستين وثمانمائة في دولة الأشرف إينال ، وأحدث لذلك الموضع المتقدم وصفه في ميمنة الباب المذكور درجة أخرى يتوصل بها إليه من داخل المسجد ، وذلك الموضع هو الذي يقوم عليه الخطيب في يوم العيد ، وأحدث الأمير بردبك أيضا أمام ذلك الموضع من خارج المسجد مسقفا ليجلس عليه المبلغون أمام الخطيب ، وفي يوم العيد يجتمع أهل السنة من أهل المدينة وأعيانهم بالمصلى المذكور ، بحيث لا يبقى خارجه من أهل السنة إلا اليسير مع شيخ الخدام وجماعته ، لأن العادة جرت بأن يكون صفهم أمام الخطيب في الجمعة والعيد ؛ لما ذكره البدر ابن فرحون من أن أول قاض ولي لأهل السنة القاضي الإمام العلامة السراج عمر بن أحمد الخضر سنة اثنتين وثمانين وستمائة في دولة المنصور قلاوون الصالحي ، وكان القضاة قبل ذلك من الشيعة آل سنان ، وكانت الخطابة بأيديهم ، فانتزع السلطان المشار إليه ذلك منهم للسراج ، فكانوا يؤذونه أذى شديدا.
قال ابن فرحون : أدركت من أذاهم له أنهم كانوا يرجمونه بالحصباء وهو يخطب على المنبر ، فلما كثر ذلك منهم تقدم الخدام وجلسوا بين أيديهم أمام المنبر ، فذلك هو السبب في إقامة صفّ الخدام قبالة الخطيب ، وخلفهم غلمانهم وعبيدهم. اه.
وقد استمر ذلك إلى اليوم ، فإذا صلى الإمام بأهل المسجد المذكور صلاة العيد انصرف ، وخرج من بابه المذكور مخترقا للصفوف متخطّيا للرقاب إلى أن يصعد في أعلى تلك الدرج ، فيستدبر القبلة ويستقبل جهة الشام على عادة الخطباء ، ثم يخطب هناك ، فيصير جميع من في المسجد خلف ظهره ، ثم إن أهل المسجد يستدبرون القبلة ويستقبلون ظهره وغالب من يصلي خارج المسجد لا يشاهده أيضا لحيلولة المسقف المحدث أمام ذلك الموضع ، وهذا كله مخالف للسنة ، ولما ثبت من فعله صلىاللهعليهوسلم في هذا المحل من قيامه في مصلاه مستقبلا للناس وهم على صفوفهم كما سنوضحه ، ومن زعم أن هذا الوضع في محل قيام النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه صلى بذلك المحل على هذه الصفة الموجودة اليوم فقد أخطأ خطأ عظيما وأساء الأدب ، فكيف يظن به صلىاللهعليهوسلم أنه ينصرف عن أصحابه حتى يستدبرهم أو الكثير منهم ثم يخطب لهم؟ وتترك الصحابة رضي الله تعالى عنهم طلعته البهية ويرضون باستدباره صلىاللهعليهوسلم مع قيامه لمخاطبتهم ، وهم أعظم الناس أدبا وحرصا على رؤيته الشريفة ، وكيف يتفق علماء الإسلام على أن السنة خلاف ذلك كما سيأتي؟ فالمتعين تغيير هذه الهيئة ، والله أعلم.