أبت لي أشياخ الأراقم سبّة |
|
أسبّ بها حتّى أغيّب في القبر |
قال أبو حنيفة الدينوري في أخباره ... ثم إنّ عليا قام من صبيحة ليلة الهرير في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أيّها الناس إنّه قد بلغ بكم وبعدوّكم الأمر إلى ما ترون ولم يبق من القوم إلا آخر نفس فتأهبوا رحمكم الله لمناجزة عدوّكم غدا حتّى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين».
وبلغ ذلك معاوية فقال لعمرو : ما ترى؟ فإنّما هو يومنا هذا وليلتنا هذه. فقال عمرو : إنّي قد أعددت بحيلتي أمرا أخرته إلى هذا اليوم فإن قبلوه اختلفوا وإن ردوه تفرّقوا : قال معاوية : وما هو؟ قال عمرو : تدعوهم إلى كتاب الله حكما بينك وبينهم فإنّك بالغ به حاجتك ، فعلم معاوية أنّ الأمر كما قال.
ثم إنّ الأشعث بن قيس قال لقومه : وقد اجتمعوا إليه : «قد رأيتم ما كان في اليوم الماضي من الحرب المبيرة وإنّا والله إن التقينا غدا إنّه لبوار العرب وضيعة الحرمات».
قالوا : فانطلقت العيون إلى معاوية بكلام الأشعث ، فقال : «صدق الأشعث لئن التقينا غدا ليميلنّ الروم على ذراري أهل الشام ، وليميلنّ دهاقين فارس على ذراري أهل العراق ، وما يبصر هذا الأمر إلا ذوو الأحلام اربطوا المصاحف على أطراف القنا».
فربطت المصاحف فأول ما ربط مصحف دمشق الأعظم ، ربط على خمسة أرماح يحملها خمسة رجال ثم ربطوا سائر المصاحف جميع ما كان معهم وأقبلوا في الغلس ونظر أهل العراق إلى أهل الشام قد أقبلوا وأمامهم شبيه بالرايات فلم يدروا ما هو حتّى أضاء الصبح فنظروا فإذا هي المصاحف.
ثم قام الفضل بن أدهم أمام القلب ، وشريح الجذامي أمام الميمنة ، وورقاء بن المعمر أمام الميسرة ، فنادوا : «يا معشر العرب الله الله في نسائكم وأولادكم من فارس والروم غدا فقد فنيتم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم». فقال عليّ (رضي الله عنه) : ما الكتاب تريدون ، ولكن المكر تحاولون ...
وأقبل أبو الأعور السلمي ، على برذون أشهب ، وعلى رأسه مصحف وهو ينادي : «يا أهل العراق ، هذا كتاب الله حكما فيما بيننا وبينكم».