موقفك الذي أنت فيه الساعة ، فإنّي لست أبدؤك بغدر ولا اجترئ على غدر ، حتّى تأتي أنت وأصحابك وحتّى تقفوا. فإذا علمت كم هم جئت من أصحابي بعددهم. فإن شاء أصحابك فليقلوا ، وإن شاءوا فليكثروا.
فسار أبو الأعور في مائة فارس ، حتّى إذا كان حيث كنا بالمرة الأولى ، وقفوا وسار في عشرة بعمرو ، وسار عمار في اثني عشر فارسا حتّى اختلفت أعناق الخيل ، خيل عمرو ، وخيل عمار. ورجع عوف بن بشر في خيله وفيها الأشعث بن قيس ونزل عمار والذين معه ، فاحتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص ، فقال له عمار بن ياسر : اسكت فقد تركتها في حياة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعد موته ، ونحن أحق بها منك ، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك ، وإن شئت كان خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك ، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ، وتكفرك قبل القيام ، وتشهد بها على نفسك ، ولا تستطيع أن تكذّبني فيها ، قال عمرو : يا أبا اليقظان ليس لهذا جئت إنّما جئت لأنّي رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم اذكّرك الله ، الا كففت سلاحهم وحقنت دماءهم ، وحرضت على ذلك فعلام تقاتلنا؟ أو لسنا نعبد إلها واحدا ، ونصلّى إلى قبلتكم ، وندعو دعوتكم ، ونقرأ كتابكم ، ونؤمن برسولكم؟
قال عمار : الحمد لله الذي أخرجها من فيك إنّها لي ولأصحابي القبلة ، والدين ، وعبادة الرحمن ، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، والكتاب من دونك ، ودون أصحابك.
الحمد لله الذي قررك لنا بذلك دونك ودون أصحابك ، وجعلك ضالا مضلا ، لا تعلم هاد أنت أم ضال؟ وجعلك أعمى وسأخبرك علام قاتلتك عليه أنت وأصحابك. أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن أقاتل الناكثين ، وقد فعلت. وأمرني أن أقاتل القاسطين ، فأنتم هم. وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا. أيّها الأبتر ألست تعلم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ : «من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه» وأنا مولى الله ورسوله ، وعليّ بعده. وليس لك مولى.