مسامعي من رجزك تلك الليلة ، وقد علا صوتك أصوات الناس ، وأنت تقول :
شدوا فداء لكم أمي وأب |
|
فإنّما الأمر غدا لمن غلب |
هذا ابن عم المصطفى والمنتجب |
|
تنمه للعلياء سادات العرب |
ليس بموصوم إذا نص النسب |
|
أوّل من صلّى وصام واقترب |
قال : نعم أنا قائلها. قال : فلما ذا قلتها؟ قال : لأنّا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ، ولا فضيلة تعبر إلى التقدمة. إلا وهي مجموعة له ، كان أول الناس إسلاما ، وأكثرهم علما ، وأرجحهم حلما ، فات الجياد فلا يشق غباره ، يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره ، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره ، وسلك المقصد فلا تدرس آثاره ، فلما ابتلانا الله تعالى بافتقاده ، وحوّل الأمر إلى من يشاء من عباده ، دخلنا في جملة المسلمين ، فلم ننزع يدا عن طاعة ، ولم نصدع صفاة جماعة ، على أنّ لك منّا ما ظهر ، وقلوبنا بيد الله ، وهو أملك بها منك ، فأقبل صفونا ، وأعرض عن كدرنا ، ولا تذكوا من الأحقاد ، فإنّ النار تقدح بالزناد.
قال معاوية : وإنّك لتهددني يا أخا طيء بأوباش العراق ، أهل النفاق ومعدن الشقاق؟ فقال : يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق ، وحبسوك في المضيق ، وذادوك عن سنن الطريق ، حتّى لذت منهم بالمصاحف ودعوت إليها من صدّق بها وكذّبت. وآمن بمنزلها وكفرت وعرف من تأويلها ما أنكرت.
فغضب معاوية ، وأدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر ، ونفر قليل من اليمن. فقال : أيّها الشقي الخائن إنّي لأخال أنّ هذا آخر كلام تفوه به (وكان عفير بن يوسف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ) فعرف موقف الطائي ، ومراد معاوية ، فخافه عليه فهجم عليه الدار ، وأقبل على اليمانية ، فقال : شاهت الوجوه ذلّا وقلا ، وجدعا وفلا ، كشم الله هذه الأنف كشما مرعبا. ثم التفت إلى معاوية ، فقال : إنّي والله يا معاوية ما أقول قولي هذا