١٣٩٣ ـ عكرشة بنت الأطرش ...
من ربات الفصاحة ، والبلاغة والبيان ، وقوة الحجة. اشتركت في صفين ، وحثت الناس على قتال معاوية ... دخلت يوما على معاوية ، وبيدها عكاز في أسفله زج مسقى ، فسلمت عليه بالخلافة وجلست ، فقال لها معاوية :
يا عكرشة ألان صرت أمير المؤمنين؟ قالت : نعم إذ لا عليّ حي ، قال : ألست صاحبة الكور المسدول ، والوسيط المشدود ، والمتقلدة بحمائل السيف ، وأنت واقفة بين الصّفين ، يوم صفين تقولين : يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم ، إنّ الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها ، ولا يحزن من سكنها ، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ، ولا تنصرم همومها ، كونوا قوما مستبصرين ، إنّ معاوية دلف إليكم بعجم العرب ، غلف القلوب ، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه ، فالله الله عباد الله في دين الله ، وإياكم والتواكل ، فإنّ في ذلك نقض عروة الإسلام ، وإطفاء نور الإيمان ، وذهاب السنة ، وإظهار الباطل ، هذه بدر الصغرى ، والعقبة الأخرى ، قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين ، على بصيرة من دينكم ، واصبروا على عزيمتكم ، فكأنّي غدا بكم وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة ، والبغال الشحاجة ، تضفع ضفع البقر ، وتروث روث العتاق ...
فقال معاوية : فو الله لو لا قدر الله وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر ، لقد كان انكفأ عليّ العسكران ، فما حملك على ذلك؟ قالت : يا أمير المؤمنين إنّ الله قد رد صدقاتنا علينا ، ورد أموالنا فينا إلا بحقها ، وإنا فقدنا ذلك ، فما ينعش لنا فقير ، ولا يجبر لنا كسير ، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، واستعمل الظالمين.
قال معاوية : يا هذه إنّه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم ، من بحور تنبثق ، وثغور تنفتق ، قالت : يا سبحان الله ما فرض الله لنا فيه ضررا على غيرنا ، ما جعله لنا وهو علام الغيوب.