ولا الإيجاز مزيّة مطلوبة بالمطلق لأنه يقول (١) : «وإنما يعد التطويل عيبا في المواضع التي يمكن الإيجاز ، ويغني عن التطويل فيها. فأما إذا كان الإيجاز متعذرا أو ممكنا ولا يقع به المعنى ، ولا يسدّ مسدّ التطويل ، فالتطويل هو الأبلغ في الفصاحة».
٢ ـ ١ ـ ٨ ـ كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ ه):
رسّخ عبد القاهر نظرية النظم ووطّد دعائمها بعد أن كانت شتاتا مبعثرا في كتب سابقيه. وقدّم من الحجج والأدلة ما يدحض تفاضل الكلمات المفردات لأن (٢) «الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلّق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر».
ألا تكفي حججه هذه للدلالة على أن النظم أساس التفاضل؟
ونفى عبد القاهر أن يكون الإيقاع الموسيقي دليلا على إعجاز القرآن لأنه قد يقع في حماقات مسيلمة الكذّاب. كما أنه رأى أن الفواصل (السجع) لا تنهض دليلا على الإعجاز. والإعجاز في نظره لا يقع في استعارة أو كناية أو تمثيل.
وقد ذهب إلى نفي كل هذه الاحتمالات ليبقي على جوهر الإعجاز في نظره وهو النظم. والنظم قاده إلى الكلام على أبواب البلاغة من مثل : التقديم والتأخير ، والحذف والتقدير ، والتعريف والتنكير ، والاستعارة ، والكناية ، والتصريح ، والإيجاز ، والسجع
__________________
(١). م. ن. ج ١٦ ص ٤٠١.
(٢). الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، ص ٣٨.