ولهذا خلص إلى القول (١) : «وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا واحدا ، وسبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدّهان».
٣ ـ سلامته من التعقيد اللفظي :
رأى البلاغيون أن التعقيد اللفظي يعني أن يأتي الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع في نظمه وتركيبه ، بحيث لا يأتي رصف الألفاظ وفق ترتيب المعاني ، وسبب ذلك اعتماد الفصل بين كلمات توجب اللغة عدم الفصل بينها ، وتأخير الألفاظ عن مواطنها الأصلية لغرض غير بلاغي. ونقدم مثالا على التعقيد اللفظي قول الفرزدق (٢) (الطويل) :
وما مثله في الناس إلا مملّكا |
|
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه |
فضرورة الوزن حملته على التعقيد ، ففصل بين البدل (حيّ) والمبدل منه (مثله) ، وقدّم المستثنى (مملّكا) على المستثنى منه (حيّ) ، وفصل بين المبتدأ والخبر (أبو أمه أبوه) بأجنبيّ وهو (حي) ، وبين الصفة والموصوف (حي يقاربه) بأجنبي هو (أبوه). ورصف البيت ونظمه بحسب المعاني هو : ليس كالممدوح في الناس حيّ يقاربه في الفضائل إلا ملكا ، أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح. لذلك كان على القارئ أو السامع أن يطلب المعنى بالحيلة ، وأن يسعى إليه من غير الطريق.
__________________
(١). البيان والتبين ، الجاحظ ١ / ٦٧.
(٢). ديوان الفرزدق ، ص ٢٦.