٢ ـ سلامته من تنافر الحروف في الكلمات المتتابعة :
وهذا يعني ألا يكون بين الكلمات المتتابعة مجتمعة في تركيب انسجام وتآلف بحيث تتقل على اللسان ، ويصعب التلفظ بها وإن كانت كلّ كلمة بمفردها خفيفة لا تقل فيها. وذكر الجاحظ قولا للأصمعي جاء فيه (١) «ومن ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر ، وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض الاستكراه. فمن ذلك قول الشاعر (السريع) :
وقبر حرب بمكان قفر |
|
وليس قرب قبر حرب قبر |
ولما رأى من لا علم له أن أحدا لا يستطيع أن ينشد هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج ، وقيل لهم : إن ذلك إنما اعتراه ، إذ كان من أشعار الجن ، صدّقوا ذلك» (٢).
إذا عدنا إلى كل لفظة بمفردها من ألفاظ البيت وجدناها خالية من تنافر الحروف ، لا ثقل فيها على اللسان ، ولكن عند اجتماعها في تعبير بدت متنافرة ، لا تآلف بينها ولا تجانس ، حتى ليتعثّر اللسان بنطقها مجتمعة.
ورأى الجاحظ أنه إذا (٣) «كانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض ، كان من التنافر ما بين أولاد العلات (٤). وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مرضيّا موافقا ، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة».
__________________
(١). البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٦٥.
(٢). راجع قصة البيت في الحيوان ، الجاحظ ، ٦ / ٢٠٧.
(٣). البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٦٦ ـ ٦٧.
(*) أولاد العلة : هم أبناء رجل واحد من أمهات شتى.