وإذا كان الجاحظ قد ذكر التكلف فإنّه لا يعني التّصنّع أو التّصنيع بل هو يريد تصوير إرادة هؤلاء على الإتيان بالجديد الذي لم يسبق له مثال. ثم إن هذا الجديد صار تيارا شعريا عند ما كثر أنصاره ، وها هو الجاحظ يضيف إلى أسماء أتباع البديع أسماء أخرى حيث يقول (١) : «كان العتّابي يحتذي حذو بشّار في البديع. ولم يكن في المولدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة».
ويبدو أن الجاحظ قد نقل هذا المصطلح من الرواة ، فهو يعترف بذلك عند ما يقول معلّقا على شعر الأشهب بن رميلة (شاعر مخضرم) (٢) «وهذا الذي تسميه الرواة البديع» وهو يرى أن البديع مرتبط بالإبداع وعدم المماثلة والمشاكلة. ثم إنه يرى أن (٣) «البديع مقصور على العرب ، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة ، وأربت على كل لسان. والراعي كثير البديع في شعره ، وبشار حسن البديع ، والعتّابي يذهب في شعره في البديع مذهب بشار» وهكذا يرى أن البديع مقصور على العرب لأن لغتهم فاقت كل لغة في قدرتها على التوليد والاشتقاق اللذين يعطيانها قدرة على التولد الذاتي المساعد على تفجير طاقاتها الكامنة فيأتي المبدعون بكل جديد. وكان يضيف في كل مرة إلى شعراء هذا التيار البديعي أسماء جديدة.
وبعد أن شاع البديع في شعر الأقدمين وفي خطبهم نهض ابن المعتزّ (ت ٢٩٦ ه) بجمع ضروبه في كتاب حمل اسم البديع. فكان بذلك أول من أفرده بدراسة مستقلة ، لكنها لا تخلو من شوائب. وقد حدد ابن المعتز هدفه من تأليفه بقوله (٤) : «قد قدّمنا في أبواب كتابنا هذا
__________________
(١) البيان والتبيين ، الجاحظ ١ / ٥١.
(٢). البيان والتبيين ، الجاحظ ٤ / ٥٥.
(٣) البيان والتبيين ، الجاحظ ٤ / ٥٥ ـ ٥٦.
(٤) البديع ، ابن المعتزّ ، دار الجيل ص ٧٣ ـ ٧٤.