من علوم البلاغة تتشكّل الصورة الفنّية في الشعر كما في النّثر. لهذا كانت البلاغة زاد الناقد في عملية تفكيك النّصوص بحثا عن جماليّة الصورة وعناصر التخييل. والخطبة كالقصيدة لا تخلو من الصور الجمالية ، يلجأ صاحبها إلى التحسين والتزيين شأن الشاعر الذي ينفر من المباشرة ويفزع إلى التشكيل الجميل.
من أجل هذا التكامل سلكنا في كتابنا هذا مسلكا خاصا ؛ فقدّمنا مادّته من باب النقد ، ولم نجعل التقعيد هدفا أسمى ، بل سعينا إلى توظيف القاعدة في الكشف عن أسرار الصورة ، وتبيّن عناصرها ، وكشف جماليّتها لتقوية الذائقة الفنّية والنقدية عند المتلقّي. فالقاعدة لم تعد جسدا بلا روح بل جعلتها الأمثلة المشروحة جسما نابضا فاعلا من طريق الاستقراء الذي يعمل على جلاء اللعبة الفنّية التي اعتمدها المبدع.
لهذا كلّه تميّز الكتاب بجملة من المزايا والصفات ، نذكر منها :
أ. عنايته بالجانب التراثي من علوم البلاغة إذ لا يجوز أن يبقى الدرس البلاغي بمنأى عن جهود الروّاد الأوائل ، وأن تبقى مصنّفاتهم مغيّبة عن أجيالنا.
ب. تأمين التواصل بين التراث والدراسات اللسانية الحديثة التي انتحت منحى جديدا في الكشف عن أسرار الصور البلاغية ، فعمدنا إلى الاستفادة من هذه الدراسات بالقدر الذي يغني ولا يعقّد.
ج. احتفاله بالمصطلح البلاغي ، إذ توقّف باستمرار عند حدّه اللغوي القاموسي فالاصطلاحي وربط بين الدلالتين محدّثا التحليل والتعليل معصرنا الدرس البلاغي.
د. وفرة شواهده المنتقاة بدقّة لتكون مختلفة مبنى ومعنى ، ولنقع على ما يأسر الأسماع ، ويخلب القلوب ، ويحبّب بالدرس البلاغي. هذه الشواهد هي في الأساس أسّ الدراسة ومفتاحها. لقد حرصنا على تكثيفها لأنّ الشاهد البلاغي كالشاهد النحوي منطلق الدراسة. وكم