والمناظرة .. وكان النحويون يقصدونه لتلقي الشعر من أفواه العرب ـ وكان يهاجر إلى البصرة الكثير من علماء المدن المجاورة ليتعلموا النحو وينقلوه إلى بلادهم ـ فهذه العوامل ساعدت البصريين على تدوين قواعد النحو واللغة قبل غيرهم بنحو قرن من الزمان ...
ولقد تجمعت لدى البصريين نصوص كثيرة بدءوا بعدها يدرسون ويستقرون ويستنبطون القواعد .. وقد تشددوا في التمسك بقواعدهم ورأوا عدم الخروج عليها مهما تكن الدواعي. وأهدروا ما خرج عليها من لغات القبائل التي لم يثقوا بها .. واعتبروه خطأ وشذوذا. وإذا ورد ما يخالف مذهبهم في نصوص لا مجال للطعن فيها تأولوها وأجهدوا أنفسهم في تخريجها ، وإذا عجزوا عن ذلك قالوا : إنه شاذ لا يقاس عليه أو ضرورة.
وقد أهدروا بسبب ذلك كثيرا من الاستعمالات العربية لبعض القبائل ـ فجاء استقراؤهم ناقصا. وكانوا يرمون من وراء هذا التشدد إلى ضبط اللغة ولو بإهدار بعضها.
ونحن لا يسعنا إلا أن نحمد للبصريين هذا الجهد الكبير في الحفاظ على اللغة في وقت كاد سيل اللحن يجتاحها .. ولكننا في الوقت ذاته نأخذ عليهم هذا التضييق المرهق في أمور اللغة .. وإهدار كثير من الاستعمالات العربية مع أنها قد تكون لغة أو لهجة لهذه القبيلة أو تلك.
وعلى رأس المدرسة البصرية سيبويه وكتابه ومن أشهر علمائهم أبو عمرو ابن العلاء ـ والأخفش ويونس بن حبيب واليزيدي والجرمي والمازني والمبرد والزجاج وابن السراج وغيرهم .. ويمكننا تلخيص سمات هذا المذهب فيما يلي :
١ ـ الحزم الصارم والتشدد الزائد في قبول الشعر المروي وعدم اعترافهم إلا بالقليل من القبائل العربية الموثوق بها .. وقلما يعتمدون على خبر الآحاد.