أن هذا الأمر وهو تيسير القرآن لطالبيه أمر قد تقرر وانتهى ولا مراء فيه ، وبعد ذلك كله استفهام مقرون بالتعجب من عدم إدراك الناس لهذا .. (فهل من مدّكر) بهذه الحروف المشدّدة المبدلة ، فلم يجعلها تعالى (فهل من ذاكر أو متذكر) بل (مدّكر بما فيها من إبدال بعد إبدال (١) التماسا لقوة الدلالة ، ليكون النطق أيسر وأشدّ ، والإثارة أقوى وأدلّ.
والكافرون أنفسهم أدركوا قدرة القرآن على التأثير في سامعه إذا كان هذا السامع ممن يفقه العربية ، فقد وصف تعالى موقف الكافرين العرب زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وخوفهم من سماع القرآن الكريم المؤثّر برفعة أدائه العربي وقوة أسلوبه حيث يقول سبحانه في سورة (فصلت / ٢٦) (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فهم يخشون تأثيره إذا سمعوه لقدرتهم على فهم بيانه العربي الرفيع.
وخبر أبي سفيان وأبي جهل والأخنس بن شريق في هذا الشأن متداول معروف (٢).
ولعل هذا يفسر لنا ضعف تأثير البيان القرآنيّ في عرب هذا العصر وهو جهلهم بالأساليب العربية الرفيعة ، واكتفاؤهم منها بأدنى المستويات التي تكفي للتفاهم في ما بينهم على المستوى العامي الشائع ، ولهذا ترى قلة إسلام العرب من غير المسلمين بالرغم من سماعهم الدائم للقرآن الكريم يتلى في الإذاعات المختلفة وأجهزة التلفاز والأشرطة المسجّلة وفي المناسبات الاجتماعية الكثيرة.
وهذه الظاهرة قديمة ، فجهل العربية أو الضّعف في تحصيلها يؤدي إلى رقة إيمان المسلم وتناقصه من جهة ؛ وإلى إعراض غير المسلم عن الدخول في
__________________
(١) مذتكر ـ مذدكر ـ مدّكر.
(٢) انظر تفصيل الخبر في سيرة ابن هشام ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.