وقولهم : يفعل كذا وكذا ، في موضع الحال عند البصريين ؛ كأنك قلت : (هذا زيد فاعلا كذا) ، العامل فيه معنى التنبيه ، وعند الكوفيين المنصوب في هذا بمنزلة الخبر ؛ لأن المعنى عندهم : زيد فاعل كذا ، ثم أدخلوا هذا للوقت الحاضر كما يدخلون كان لما قضى ، فإذا أدخلوا هذا وهو اسم ، ارتفع به زيد ، وارتفع هو بزيد على ما يوجبه حكم المبتدإ والخبر ، وانتصب الذي بعده لارتفاع زيد بهذا ، ويسمّي أهل الكوفة هذا : (التقريب) ، ومنزلته عندهم منزلة كان ؛ لأن كان دخلت على : زيد قائم ، فارتفع زيد بها ، وبطل ارتفاعه بقائم ، وارتفاع قائم فانتصب ، ولا يجوز إسقاط المنصوب ؛ لأنّ الفائدة به معقودة ، والقصد إليه.
ويجوز عند الكوفيين : هذا زيد القائم ، كما يجوز كان زيد القائم ، ولا يجوز عند البصريين : (هذا زيد القائم) لأن مجراه مجرى الحال عندهم.
وأما قوله عزوجل : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٨٥] ففيه ثلاثة أقوال :
أحدها : مذهب أصحابنا وهو : أنّ أنتم هؤلاء مبتدأ أو خبر ، وتقتلون أنفسكم في موضع الحال ، تقديره : (قائلين أنفسكم).
وعلى أصل مذهب الكوفيين تقتلون خبر التقريب ، على ما ذكرناه من مذهب الكوفيين.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب : هؤلاء في معنى (الذين) ، وتقتلون في صلتها ، كأنه قال : (ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم). كما قال ابن مفرغ :
عدس ما لعبّاد عليك إمارة |
|
أمنت تحملين طليق (١) |
معناه : والذي تحملين طليق ، وكان ينبغي على ما قدّره أحمد بن يحيى أن يقرأ : ثم أنتم هؤلاء يقتلون أنفسهم على تقدير : (ثم أنتم الذين يقتلون أنفسهم).
ويجوز عند البصريين : (ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم) في الضرورة ، وليس ذلك بالمختار ، وأنشدوا فيه لمهلهل :
وأنا الذي قتّلت بكرا بالقنا |
|
وتركت مرة غير ذات سنام (٢) |
__________________
(١) البيت في ديوانه ١١٥ ؛ الخزانة ٦ / ٤١ ، ٤٢ ؛ ابن يعيش ٤ / ٢٣ ، ٧٩ ؛ ولسان العرب وتاج العروس (حدس ، عدس).
(٢) البيت في ديوانه ، الخزانة ٦ / ٧٣ ؛ ابن يعيش ٤ / ٢٥ ؛ المقتضب ٤ / ١٣٢.