تقول : إنّك أنت إياك خير منه) يريد على بعد الجمع بين الصّفة والبدل الذي هو : إيّاك ؛ لأنّك لا تقوله في : إنك أنت إياك خير منه. وقد أجازه الخليل لمّا اختلف اللفظان ، أو لمّا اختلف مذهب التوكيد في الصّفة والبدل.
وقوله : (فإن قلت : أظنّه هو خيرا منه ، جاز أن تقول إياه ؛ لأنّ هذا ليس موضع فصل ، واستغنى الكلام) فإن أصحابنا قد فسّروا أن مذهب سيبويه : أظنه هو خيرا منه إياه جائز ، وأظنّه هو إيّاه خيرا منه لا يجوز ، وإنما لم يجوّزوا الضميرين المجتمعين على مذهب سيبويه ؛ لأنهما جميعا في موضع واحد ، فسبيلهما سبيل اللام وإنّ في التوكيد ؛ لا يجتمعان ، فإذا فصل بينهم جاز ، وإذا قلت : كنت أنت خيرا من زيد ، أو ظننت أنا أشدّ من زيد ، فإنّ أنت تكون بدلا من التاء ، وتكون فصلا ، وتكون صفة. وأيّ شيء عني به أغنى عن الباقي ، ولا يجوز اجتماعها جميعا ، لا اجتماع اثنين منها. فإن قلت : كنت أنت خيرا من زيد أنت ، فجعلت أنت الأوّل فصلا ، وأنت الأخير بدلا فهو عندي جائز ، ومحلّه محلّ إياه المتأخّر عن موضع الفصل ، واستواء اللّفظين لا يقدح في جوازه ، وفيما ذكره أبو بكر مبرمان في تفسيره عن نفسه أو بعض من حمل عنه أنّه لا يجوز نحو ذلك لاتّفاق اللفظين ، فالقول الصّحيح ما بدأت به. وباقي الباب مفهوم.
هذا باب ما يكون فيه هو وأنت وأنا ونحن وأخواتهن فصلا
قال سيبويه : (اعلم أنّهنّ لا يكنّ فصلا إلا في الفعل ، ولا يكنّ كذلك إلا في كل فعل الاسم بعده بمنزلته في حال الابتداء ، واحتياجه إلى ما بعده كاحتياجه إليه في الابتداء. فجاز هذا في هذه الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء ، إعلاما بأنه قد فصل الاسم ، وأنه فيما ينتظر المحدّث ويتوقّعه منه ، مما لا بدّ له من أن يذكره للمحدّث ؛ لأنك إذا ابتدأت اسما فإنما تبتدئه لما بعده ، فإذا ابتدأت فقد وجب عليك مذكور بعد المبتدإ لا بدّ منه ، وإلا فسد الكلام ولم يسغ لك ، فكأنه ذكر هو ليستدلّ المحدّث أنّ ما بعد الاسم يخرجه مما وجب عليه ، وأنّ ما بعد الاسم ليس منه ، هذا تفسير الخليل.
وإذا صارت هذه الحروف فصلا وهذا موضع فصلها في كلام العرب ، فأجره كما أجروه. فمن تلك الأفعال : حسبت وخلت وظننت ، ورأيت إذا لم ترد به رؤية العين ؛ ووجدت إذا لم ترد به وجدان الضالّة ، وأرى ، وجعلت إذا لم ترد أن تجعلها بمنزلة عملت ، ولكن تجعلها بمنزلة صيّرته خيرا منك ، وكان وليس وأصبح