مره أن يحفرها فتقديره : مره يحفرها ، وإذا قلت : مره يحفرها على معنى (أن) فتقديره حافر لها ، كأنه ظهرت فيه أمارة النية في حفرها والعزم عليه فصار كأنه حافر.
ومثله قول الله ـ تعالى ـ : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ)(١) بمعنى مقدرين الخلود. وإذا قلنا : عسينا أن نقوم فتقديره : عسينا القيام ، وإذا قلنا عسينا نقوم فتقديره : قائمين ، كما قال : عسى الغويرأ بؤسا ، ولا يستعمل فيه لفظ الاسم إنما يستعمل فيه لفظ الفعل ، كما أنا إذا قلنا ، عسى زيد أن يقوم ، لم يستعمل لفظ المصدر فيه ، ولم يقل : عسى زيد القيام ، وإذا قلت :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
فتقديره حاضر الوغى ، ويجوز على هذا أن تقول :
ألا أيهذا الزاجري الحرب أحضر ، فتنصب الحرب بأحضر ، ولو جئت به على الأصل فقلت :
ألا أيّهذا الزاجري أن أحضر الوغى
لم يجز تقديم الوغى على أحضر ، وتقديره الزاجري عن أن أحضر الوغى.
وقول الله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ)(٢) أجود ما يقال فيه ما ذكره سيبويه عن الخليل نصب (غير) بأعبد وتأمروني غير عامل ، كما يقول : هو يفعل ذاك فيما بلغني ، وزيد قائم ، فيما ظننت كأنك قلت هو يفعل ذلك فيما بلغني ، وزيد قائم فيما ظننت.
قال سيبويه : وإن شئت كان بمنزلة :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى أن يقدر أعبد بمعنى عابدا غير الله وفيه فساد ، والذي عليه الناس هو الوجه الأول الذي ذكرناه.
هذا باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي
فمن تلك الحروف حسبك وكفيك ، وشرعك وأشباهها.
نقول : حسبك ينم الناس ، ومثل ذلك : (اتقّي الله أمرؤ وفعل خيرا يثب
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٧٣.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٦٤.