فقياسه : اضرب أيّهم قائل لك شيئا.
قلت : أفيقال : ما أنا بالذي منطلق؟ فقال : إذا طال الكلام فهو قليلا أمثل ، كأنّ طوله عوض من ترك هو ، وقلّ من يتكلّم بذلك).
قال أبو سعيد : قد ذكرنا من مذهب سيبويه في بناء (أيّهم) إذا كان في معنى (الذي) أنه إذا استعمل فيها حذف العائد الذي لا يحسن في (الذي) بني ، وإذا استعمل في صلتها ما يحسن في صلة (الذي) لم يبن ، وذكرنا أنّ السّبب في بنائها أن نظيريها وهما : (ما ومن) مبنيّان ، فإذا حذف منها العائد فقد دخلها نقص وأزاله عن ترتيبها ، فأجري مجرى نظيريها ، كما أنّ (ما) إذا قدّم خبرها أو دخلها حرف الاستثناء الناقض لمعنى الجحد بها ردّت إلى قياس نظائرها في الابتداء نحو هل ، وألف الاستفهام ، وإنما ، وأشباه ذلك مما يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا.
هذا باب أيّ مضافا إلى ما لا يكمل اسما إلا بصلة
قال سيبويه : (فمن ذلك قولك : أيّ من رأيت أفضل).
قال أبو سعيد : إذا أضيف (أيّ) إلى (من) فلا تكون (من) إلا بمعنى (الذي) ، وأيّ على وجوهها الثلاثة ، فأيّ مبتدأ وهي مضافة إلى من ، ومن بمعنى الذي ، ورأيت صلة من ، وفي رأيت هاء مقدّرة تعود إلى من ، وأفضل خبر أيّ ، تقديره : أيّ من رأيته أفضل ، ومن في معنى جماعة. وتقول : أيّ الذين رأيت في الدّار أفضل ، تقديره : رأيتهم ، والهاء والميم عائد إلى الذين ، وفي الدار من صلة رأيت ، وهي موضع للرّؤية ، وتقديره : أيّ القوم أفضل ، وفي الدار لم يغيّر الكلام عن حاله ، كما أنّك إذا قلت : أيّ من رأيت قومه أفضل كان بمنزلة أيّ من رأيت أفضل ، فالصلة معملة وغير معملة في القوم سواء.
وتقول : أيّ من في الدار رأيت أفضل ، صلة (من) قولك : في الدار وحدها ، فتمّ المضاف إليه أيّ اسما ، ثم ذكرت رأيت بعد تمام المضاف إليه ، فكأنك قلت : أيّ القوم رأيت أفضل ، ولم تجعل في الدار هنا موضعا للرؤية.
ولو قلت : أيّ من في الدار رأيت زيد لجاز ، إذا أردت أن تجعل في الدار موضعا للرؤية ، وتقديره : أيّ من رأيته في الدّار زيد ، أيّ مبتدأ ، وهو مضاف إلى من ، ورأيته صلته ، والهاء عائدة إليه ، وفي الدار ظرف له ، وزيد خبره ، وتقول في شيء منه آخر : أيّ من إن يأتنا نعطه نكرمه ؛ فأيّ استفهام ولا يصحّ غيره ، ومن بمعنى الذي ؛ لأنّ أيّا مضاف إليه ، والشرط وجوابه في صلة من ، فتمّ أيّ اسما بالمضاف إليه وصلته ، فكأنك قلت : أيّ