القوم نكرمه ، ونكرمه خبر أيّ ، ولو حذفت الهاء من نكرمه نصبت أيّا فقلت : أيّ من إن يأتنا نعطه نكرم ، كأنك قلت : أيّهم نكرم؟ ولو جعلت أيّا خبرا بمعنى الذي لم يجز حتى تزيد فيه ، وذلك أنك تحتاج بعد المضاف إليه إلى صلة ، فيصير بعد المضاف إليه وبعد الصلة بمنزلة اسم واحد ، فتزيد ما يكون به كلاما ، وذلك قولك : أيّ من إن يأتنا نعطه نكرم تهين ، فنكرم صلة لأيّ ، فإن شئت أثبتّ الهاء فقلت : نكرمه ، وإن شئت نزعتها ولا يتغير لفظ أيّ بنزع الهاء من نكرمه ؛ لأن نكرمه في الصلة ، وتصب أيّا ب (تهين) فكأنك قلت : زيدا تهين ، ولو قلت : تهينه لرفعت (أيّ من) ، ولو جعلت أيّ للمجازاة جزمت نكرم ، فيصير فعل الشرط ، ويحتاج إلى جواب ، فتأتي بما يكون جوابا ، وذلك قولك : أيّ من إن يأتنا نعطه نكرم تهن ، بنصب أيّا ب (نكرم) لا ب (تهن) ، ولو كان نكرمه لرفعت أيّا ؛ لأنّ نكرم شرط لأيّ ، والشرّط يعمل في الاسم وينصبه ، وأمّا تهن فتقديره : تهنه ، وإنّما تحذف الهاء لما قد جرى من ذكره.
وتقول : أيّ من يأتينا يريد صلتنا فنحدّثه ، فيستحيل في وجه ويجوز في وجه ؛ أمّا الوجه الذي يستحيل فيه فهو أن يكون (يريد) في موضع مريد إذا كان حالا وقع فيه الإتيان ؛ لأنّه معلّق بيأتينا ، كما كان فيها معلّقا برأيت في : أيّ من رأيت في الدار أفضل ، وتقديره : أيّ من يأتينا مريدا صلتنا ، ومريدا حال من ضمير الفاعل في يأتينا ، وهو ضمير (من) فصار المضاف إليه إلى قولك صلتنا ، فكأنّك قلت : أيّهم فنحدّثه فلا يجوز ، كما لا يجوز : زيد فنحدّثه ، ولو حذفت الفاء جاز فقلت : أيّ من يأتينا مريدا صلتنا نحدّثه ، ونحدّثه خبر (أيّ من).
فأمّا الوجه الذي تجوز فيه المسألة فأن تجعل يريد خبر أيّ ، وصلة (من) يأتينا حسب ؛ فكأنك قلت : أيّهم يريد صلتنا في معنى : مريد صلتنا فنحدّثه ، نصب جواب الاستفهام ، وإن شئت رفعته عطفا على يريد.
وتقول أيّ من إن يأته من إن يأتنا نعطه يعطه تأت يكرمك ؛ أيّ للمجازاة ، ومن الأولى في موضع خفض بإضافة أيّ إليه ، ومعناه معنى الذي ، وصلته الشرط ، والجواب من قولك : إن يأته إلى يعطه ؛ لأنّ من الثانية فاعل يأته ، وهو في موضع رفع ، ومعناه : الذي ، وصلته : إن يأتنا نعطه ، فتصير من الثانية مع صلته اسما بمنزلة زيد ، فكأنك قلت : أيّ من إن يأته زيد يعطه ، ومن بمنزلة الذي وصلته الشرط والجزاء فتصير الأولى وما بعدها من الشرط والجزاء بمنزلة اسم فكأنّك قلت : أيّ القوم تأت ، فتنصب أيّا ب (تأت) ، ويكرمك الجواب ، وأيّ للمجازاة ، والناصب لأيّ : تأت.