أن أضرب زيدا ، لم يتمّ الكلام ؛ لأنّ أن وما بعده من الفعل والمفعول بمنزلة اسم واحد ، والاسم الواحد إذا وقع بعد لا احتاج معه إلى خبر ، فليس لفظ لن وفقا للفظ لا أن ، ولا معناها وفقا لمعناها ، فما الذي أوجب أنّها هي؟
وجملة الأمر أنه ليس لنا أن ندّعي في (لن) غير ظاهرها إلا ببرهان ، وقد رأينا في الحروف الناصبة كي وإذا وليسا بمأخوذين من لفظ أن.
فإن قال قائل : إذا زعمتم أنّ لن وكي وإذا حملن. على أن في نصبهنّ ؛ لاشتراكهنّ في الاستقبال ، فما القول في حروف الجزم؟ فهلا نصبتم فعل الأمر والنّهي والمجازاة وهنّ مستقبلات؟
قيل له : أمّا لام الأمر فإنّ ما بعدها جزم ؛ لأنه بمعنى الأمر المبني على السّكون ؛ لمضارعته له ودخوله في معناه حمل على إعراب لفظه كلفظ البناء.
وأمّا النهي فإنه جزم ؛ لأنه نقيض للأمر ، والأمر مبني ، كما جزم الفعل بلم ؛ لأنّه نقيض الماضي والماضي مبني.
وأمّا المجازاة فجزمت لأنها شرط وجواب فطالت ، فاختاروا لها أخفّ الإعراب وهو الجزم لطولها.
وقال الكوفيّون : لام الأمر خصّت بالجزم فرقا بينها وبين لام كي في قولهم : أقصدك لأكرمك ، يعني به لكي أكرمك ، وكانت لام الأمر أولى بأن تجزم المستقبل لأنّها على المستقبل أغلب ، وتمكّنها فيه أوضح من تمكّن لام كي ؛ من أجل أنّ لام الأمر تبتدأ مع المستقبل وتنفرد به حين قال : ليفعل وليصنع ، ولام كي لا تنفرد حتى يتقدّمها ما يحدثها ، وتجري مجرى الصلة له نحو : أزورك كي أكرمك.
قال أبو سعيد : وهذا تطويل لا يحتاج إليه ؛ لأنه يحتاج أولا إلى إقامة الحجّة بأنّ الاستقبال موجب للنصب ، ولا سبيل له إلى ذلك ، وإنما هي دعوى لا حجة عليها.
وأمّا قوله : ويلمّه ، ويومئذ فقد ذكرا في مواضعهما بما أغنى عن ذكره ، والله أعلم.
هذا باب الحروف التي تضمر فيها أن
قال سيبويه : " وذلك اللام ، في قولك : جئتك لتفعل. وحتى ، وذلك قولك : تكلّم حتى أجيبك ، فإنّما انتصب هذا بأن ، وأن هاهنا مضمرة ؛ ولو لم تضمرها لكان الكلام محالا ؛ لأنّ اللام وحتى إنّما يعملان في الأسماء فيجرّان ، وليسا من الحروف التي تضاف إلى الأفعال ، فإذا أضمرت أن حسن الكلام ؛ لأنّ أن وتفعل بمنزلة اسم