الواو من الفعل فيما بعده. ولو قلت : ضربت زيدا وأكرمت عمرا لم يجز أن تقول : عمرا وأكرمت. وأنت تريد : وأكرمت عمرا.
وإنما عمل ما قبلها فيما بعدها ؛ لأن حرف الاستثناء والعطف لا يبتدآن. وإنما يؤتى بهما ليعلق ما بعدها بمعنى ما قبلها فلا بد من تأثير ما قبلهما فيهما.
وأما اختلاف النسخ : فالذي يقول : فأما خروجه مما دخل فيه غيره فأتاني القوم غير زيد يريد : خروج زيد مما دخل فيه القوم. والذي يقول : فأما دخوله فيما خرج منه غيره يريد : دخول (غير) لأن (غير) دخل في الإتيان الذي خرج منه زيد.
هذا باب ما أجري على موضع غير ، لا على ما بعد غير
زعم الخليل ويونس جميعا أنه يجوز : ما أتاني غير زيد وعمرو. والوجه الجرّ. وذلك أنّ غير زيد في موضع إلا زيد وفي معناه ، فحملوه على الموضع كما قالوا :
فلسنا بالجبال ولا الحديدا (١)
فلما كان في موضع إلا زيد وكان معناه كمعناه حملوه على الموضع.
والدليل على ذلك أنك إذا قلت : غير زيد فكأنك قد قلت : إلا زيد ألا ترى أنك تقول : ما أتاني غير زيد وإلا عمرو فلا يقبح الكلام ، كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو.
قال أبو سعيد : رد الاعتبار إلى (إلا) لأنها أصل الاستثناء ، وأدخلها إلّا على الاسمين حتى أرى صحة معنى الاستثناء فيهما ، والباب مفهوم مستغن عن الشرح.
هذا باب يحذف المستثنى منه استخفافا
وذلك قولك : (ليس غير) ، و (ليس إلّا) كأنه قال : ليس إلا ذاك ، وليس غير ذاك ، ولكنهم حذفوا ذاك تخفيفا. ومثل ذلك أيضا : ما منهم إلا قد قال ذاك ، إنما يريد : ما منهم أحد إلا قد قال ذاك ، ولكنه حذفه تخفيفا ، واكتفاء بعلم المخاطب ما يعني.
وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول : ما منهما مات حتى رأيته في حال كذا
__________________
(١) البيت ورد منسوبا لعقيبة بن هبيرة الأسدي ، في الخزانة ٢ / ٢٦٠ ، ٤ / ١٦٥ ؛ ابن يعيش ٢ / ١٠٩ ، ٤ / ٩ ؛ الكتاب ١ / ٦٧ ، ٢ / ٢٩٢ ، ٣ / ٩١ ؛ ولسان العرب (غمز) ؛ شرح المقتضب ٢ / ٣٣٧ ، ٤ / ١١٢.